أركان الصلاة

أركان الصلاة

 

الحمد الله المتفرد بإنعامه، والشكر له على فضله وامتنانه، وأصلي وأسلم على خير خلقه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى الدين، أما بعد:

فالصلاة التي فرضها اللهُ على عباده لها أركانٌ لا تكون صحيحة إلا إذا أديت بها، فإذا نقص منها ركن بطلت الصلاة، والركن لا يسقط عمداً ولا سهواً ولا جهلاً، فلا بد من الإتيان بجميع أركانها حتى تكون صحيحة.

وسُمِّيَ رُكناً تشبيهاً له بركن البيت الذي لا يقوم إلا به؛ لأن الصلاة لا تتم إلا به، ولذا فمعرفة أركان الصلاة واجب على كل مسلم حتى يؤدي صلاة صحيحة تنفعه بين يدي الله عز وجل.

والركن في اللغة: الجانب الأقوى.

وفي الاصطلاح: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، وكان جزءاً ذاتياً تتركب منه الحقيقة أو الماهية.

أما أركان الصلاة فهي كما يلي:

الركن الأول: القيام في الفرض:

لقوله تعالى: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}[البقرة: 238].

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه, قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال: ((صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) رواه البخاري.

فدلت الآية والحديث على وجوب القيام في الصلاة المفروضة على القادر على القيام، فإن لم يقدر على القيام, صلى على الحالة التي يستطيعها من قعود أو على جنب؛ لكونه معذوراً.

أما صلاة النافلة فيجوز أن تُصلى قياماً وقعوداً، فلا يجب فيها القيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها أحياناً جالساً من غير عذر، لحديث عائشة رضي الله عنها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه, فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله! وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! قال: ((أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً)) فلما كثر لحمُهُ صلى جالساً، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع. رواه البخاري

وعن عبد الله بن شقيق أنه قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: (كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ قائماً ركع قائماً وإذا قرأ قاعداً ركع قاعداً) رواه مسلم.

إلا إنه ثواب الصلاة قاعداً أقل منها في القيام؛ لحديث عبد الله بن عمرو، قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: ((صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)) رواه مسلم.

الركن الثاني: تكبيرة الإحرام في أولها:

لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر)) متفق عليه.

ولحديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه: ((لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة، فيقول: الله أكبر))1.

ولحديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) رواه الترمذي وأبو داود2.

وصيغة التكبير أن يقول: الله أكبر، ولا يجزيه غيرها، لأن هذا هو الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

الركن الثالث: قراءة الفاتحة:

وقراءة الفاتحة في كل ركعة ركن من أركانها وقد دلت الأحاديث على ذلك ومنها ما يلي:

   عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن.

   وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج3 هي خداخ غير تمام)) رواه مسلم.

   وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)) رواه الدارقطني, وصحح إسناده، وابن خزيمة في صحيحه4.

       وعن أبي سعيد رضي الله عنه, قال: (أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر) رواه أبو داود5.

فهذه الأحاديث تدل على أن قراءة الفاتحة ركنٌ من أركانها، ولكن هل هي واجبةٌ في حق كل مصلٍّ، أو يختص وجوبها بالإمام والمنفرد؟ فيه خلاف بين العلماء، والأحوط أن المأموم يحرص على قرائتها في الصلوات التي لا يجهر فيها الإمام، وفي سكتات الإمام في الصلاة الجهرية، وأما المنفرد فيقرأها6.

الركن الرابع: الركوع في كل ركعة:

لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[الحـج: 77]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: ((…ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)) متفق عليه.

فالركوع واجب بالكتاب والسنة والإجماع، ومن تركه فقد بطلت صلاته.

والركوع في اللغة: الانحناء، والركوع المجزئ من القائم هو: أن ينحني حتى تبلغ كفاه ركبتيه إذا كان وسط الخِلقة -أي طويل اليدين أو قصيرهما-، وقدر ذلك من غير وسط الخلقة. والمجزئ من الركوع في حق المصلي الجالس: مقابلة وجهه ما وراءَ ركبته من الأرض7.

الركن الخامس: الرفع من الركوع، والاعتدال قائماً:

لقول أبي حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا رفع رأسه استوى قائماً حتى يعود كل فقار إلى مكانه) رواه البخاري ومسلم.

وقالت عائشة رضي الله عنها: (فكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً) رواه مسلم.

الركن السادس: السجود:

وهو وضع الجبهة على الأرض، ويكون على الأعضاء السبعة، في كل ركعة مرتين؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[الحج: 77]، ولمواظبة النبي صلى الله عليه سلم عليه، وقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))8، وقوله للمسيء صلاته: ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)) متفق عليه.

والأعضاء السبعة التي يسجد عليها هي: الجبهة مع الأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين9.

الركن الثامن: الرفع من السجود, والجلوس بين السجدتين:

لقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي جالساً) رواه مسلم.

وهيئة الجلوس أن يجلس بين السجدتين مفترشاً: وهو أن يثني رجله اليسرى ويبسطها ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمداً عليها، لتكون أطراف أصابعه إلى القبلة.

الركن التاسع: التشهد الأخير وجلسته:

والمعروف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقعد القعود الأخير يقرأ فيه التشهد، وأنه قال للمسيء في صلاته: ((فإذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك)) متفق عليه10.

والتشهد هو أن يقول: ((التحيات لله الصلوات الطيبات….)) إلخ أو أي لفظ آخر ثابت عن النبي صلى الله علي وسلم، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا نقول قبل أن يُفرض التشهد…)11، فقوله: "قبل أن يفرض" دليلٌ على فرضِه.

الركن العاشر: التسليم:

والتسليم للخروج من الصلاة ركنٌ منها لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) رواه الترمذي وأبو داود12.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم من صلاته ويديم ذلك، ولا يخل به، فقد حدَّث ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) رواه أبو داود والترمذي وصححه13.

وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: (كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى أرى بياض خده) رواه مسلم.

الركن الحادي عشر: الطمأنينة في كل الأفعال المذكورة:

وقد دل على هذا الركنِ السنةُ المطهرةُ، فقد أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته بقوله: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))14، ولحديث حذيفة: (أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال له: ما صليت، ولو متَّ متَّ على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم)15.

والطمأنينة: سكون بعد حركة، أو سكون بين حركتين، بحيث ينفصل مثلاً رفعه عن هويه.

الركن الثاني عشر: ترتيب الأركان على النحو المشروع في صفة الصلاة:

الترتيب ركن عند الجمهور، فلابد أن يصلي صلاة مرتبة كما هو مبين في صفة الصلاة، فيبدأ بالقيام، ثم تكبيرة الإحرام، ثم  القراءة، ثم الركوع، ثم الرفع من الركوع، ثم السجود، ثم الجلوس بين السجدتين، ثم السجود، ويفعل ذلك في صلاته كلها حتى الجلوس الأخير للتشهد ويسلم بعد ذلك فيكون قد أدى صلاةً مرتبة.

كانت هذه هي أركان الصلاة فمن ترك ركناً من هذه الأركان: فإن كان التكبير للإحرام،لم تنعقد صلاته، وإن كان غير التكبير وتركه عمداً بطلت صلاته، وإن كان سهواً -كركوع أوسجود- فإن ذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى؛ فإنه يعودُ ليأتي به وبما بعده من الركعة التي تركه فيها، وإن ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأُخرى، أُلغيت الركعةُ منها, وقامت الركعة التي شرع في قراءتها مقامها، ويسجد للسهو.

وإن علم الركن المتروك بعد السلام: فإن كان تشهداً أخيراً أو سلاماً، أتى به، وسجد للسهو وسلَّم، وإن كان غيرهما كركوع أو سجود، فإنه يأتي بركعة كاملة بدل الركعة التي تركه منها، ويسجد للسهو، ما لم يَطُل الفصلُ، فإن طال الفصل، أو انتقض وضوؤه، أعاد الصلاة كاملة16.

والله نسأل أن يوفق الجميع لإقامة الصلاة, والمحافظة عليها, حتى نلقاه إنه جواد كريم، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.


1 – رواه أصحاب السنن الأربعة، قال ابن القيم في غاية الصحة، إعلام الموقعين (2/215).

2 – وقال الألباني: حسن صحيح انظر صحيح أبي داود رقم (55).

3 – خداج: قال الخطابي: هي خداج: ناقصة نقص بطلان وفساد.

4 – وصححه الأمام النووي في الأذكار (69).

5 – وصححه الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (1/380).

6 – راجع: الملخص الفقهي (1/128).

7 – الملخص الفقهي (1/128).

8 – رواه مسلم.

9 – راجع: الفقه الإسلامي (1/659)، والملخص الفقهي (1/129).

10 – فقه السنة (1/124).

11 – سنن البيهقي الكبرى (2644).

12 – وقال الألباني: حسن صحيح انظر صحيح أبي داود رقم (55).

13 – وصححه الألباني، انظر صحيح سنن الترمذي رقم (241).

14 – متفق عليه.

15 – رواه البخاري.

16 – الملخص الفقهي (1/131).