ترتيب الأولويات

 

 

ترتيب الأولويات

إن الحديث عن هذه القضية يعتبر من أهم ما يُتكلم عنه، إذ أن المسلم والداعيةوالخطيب جميعاً لا بد أن يفهموا هذا المبدأ، وفي الحقيقة أن الجميع محتاج إليه التاجر في تجارته والزارع في مزرعته لا بد أن يفهم ما هو الأولى في هذه المرحلة.

فيقدم الأهم على المهم ويبدأ به حتى ينجح في عمله.

إن مشكلة تحديد نقطة البدء هي التي يقع فيها كثير من الناس، وتقديم الأهم فالمهم.

وسنتحدث عن الجانب الدعوي في المسجد فبعض الدعاة إلى الله لا يدري ما هي نقطة البدء، وما الأولى طرحه للناس. فبعضهم قد سبب نفوراً عجيباً للناس، يقول الأستاذ محمد قطب: وبصرف النظر مرة أخرى عن كون الناس معذورين بهذه الجهالة أو غير معذورين، وعن كون مقتضى لا إله إلا الله الذي يعطي الإنسان صفة الإسلام، وهو الإقرار بما جاء من عند الله، وعدم الرضا بشريعة غير شريعة الله معلوماً من الدين بالضرورة أو غير معلوم، فإننا معنيون بتحديد نقطة البدء. وقد تحددت لنا الآن بوضوح فيما أحسب،

فإننا لا نبدأ بدعوة الناس إلى الاعتقاد بوحدانية الله، إنما نبدأ بشيء لم يكن طيلة ثلاثة عشر قرناً يحتاج إلى بيان، والآن يحتاج إلى البيان، وهو حقيقة معنى لا إله إلا الله وصلتها الوثيقة التي لا تنفصم بالحكم بما أنزل الله)1.

وفي الحقيقة أن على الداعية إلى الله عز وجل أن يدرس ويفهم طبيعة المجتمع الذي هو فيه فإن لكل مجتمع خصائص تختلف عن بقية المجتمعات، وكذلك يدرس ما يحتاج المجتمع وما المنكرات المتفشية بينهم، ثم يرتب هذه المنكرات فيبدأ بمعالجة أشدها وأعظمها،

وهكذا يأخذ الناس بالتدرج ويبدأ بالأهم ثم المهم، وعلى هذه القاعدة يكون خارجاً عن فقه الإنكار من أنكر على من لا يربي لحيته، وهو يعلم أنه لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي. ويكون خارجاً عن فقه الأولويات من أنكر على أحدهم إسبال الإزار وهو يعلم أنه منغمس حتى النخاع في تقليد كل ما هو غربي، وغارق من رأسه إلى أخمص قدميه في كل ما هو محرم، وكذلك من أنكر على أحدهم أكله بيده الشمال، وهو يعلم أنه لا يعلم أين القبلة وما دخل في حياته بيتاً من بيوت الله، والأمثلة كثيرة جداً.

ولو نظرنا إلى القرآن والسنة لوجدنا أن هذا هو منهج القرآن الكريم, فإن القرآن في بداية نزوله كان يعالج قضايا العقيدة من الإيمان بالله واليوم الآخر. حتى استقر الإيمان في القلوب ونزلت الأحكام في المدينة بعد قرابة ثلاثة عشر عاماً،

وكذلك ما نزل تحريم الخمر دفعة واحدة بل أخذهم الله تعالى بالتدرج والنبيوضح هذا المنهج، وهذه القاعدة “قاعدة الأولويات وتقديم الأهم فالمهم” لمعاذ بن جبل   عندما أرسله إلى أهل اليمن فقال  : ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))2.

قال ابن حجر رحمه الله: “وأما قول الخطابي إن ذكر الصدقة أخر عن ذكر الصلاة لأنها إنما تجب على قوم دون قوم. وأنها لا تكرر تكرار الصلاة فهو حسن، وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم، وذلك من التلطف في الخطاب؛ لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن من النفرة”3.

إذن مراعاة هذه القاعدة مهم جداً حتى في تدريس الطلبة القرآن في مدرسة التحفيظ ينبغي أن يراعى أعمار الطلاب والفروق الفردية، وأن يطرح لكل ما يناسبه وأن يبدأ مع كلٍ ما يناسبه بحسب السن والذكاء والمستوى…

وهكذا تثمر الدعوة، وتثمر الجهود ولا تضيع هباءً.

والحمد لله رب العالمين،،،


1– منهج التربية الإسلامية (1/82).

2– البخاري مع الفتح برقم (1496)

3– فتح الباري (3/359).