مع دعاء الدخول إلى المسجد والخروج منه

مع دعاء الدخول إلى المسجد والخروج منه

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

المسلم في كل عبادته يستعين بالله عز وجل فهو المعين عليها، وهو الهادي إليها، فيحف الله تعالى عبادة عباده بالتوفيق إليها، ورعايتها وسدادها، وقبولها وحفظها، إذن لا بد للعبد أن يكون متصلاً بربه في كل أموره، ومستمداً إعانته في كل أحواله، وانظر إلى هذا المسلم وقد ترك الدنيا فاراً إلى بيت الله عز وجل يلوذ بجنابه، منطرحاً عند بابه، يسأله العون عند دخوله إلى المسجد وإيابه.

وقد وردت أحاديث كثيرة تبين ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله وهو داخل لعبادة ربه تعالى:

فعن أبي حميد أو عن أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك))1.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك))2.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا دخل المسجد قال: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم))، قال: أقط، قلت: نعم، قال: ((فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم))"3.

وعن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يقول: ((بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك))4.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم))5.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: ((بسم الله، اللهم صل على محمد))، وإذا خرج قال: ((بسم الله، اللهم صل على محمد))"6.

وبعد ذكر ما استطعنا مما صححه العلماء من مرويات قالها النبي صلى الله عليه وسلم نقف معها قليلاً، ونذكر كلام العلماء عندها.

يقول الدكتور: عبد الرزاق العباد – حفظه الله -: "قوله: (إذا دخل المسجد) أي حال دخوله المسجد، وقوله: (إذا خرج) أي حال خروجه منه، قوله: "بسم الله" عند الدخول وعند الخروج، الباء للاستعانة، وكلُّ فاعل يقدر الفعل المناسب لحاله عند البسملة، والتقدير هنا: بسم الله أدخل، أي: طالباً عونَه سبحانه وتوفيقه، وهكذا الشأن في الخروج، قوله: "والصلاة والسلام على رسول الله" فيه فضل الصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند دخول المسجد وعند الخروج منه، وهو من المواطن التي يُستحبُّ الصلاةُ فيها والسلامُ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -"7.

لماذا خصت الرحمة بالدخول، وخص الفضل بالخروج؟

يقول الطيبي رحمه الله تعالى: "لعل السر في تخصيص الرحمة بالدخول، والفضل بالخروج؛ أن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى ثوابه وجنته، فيناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل كما قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}8 انتهى"9، ويقول العباد – أيضاً -: "لعلَّ ذلك لأنَّ الداخلَ طالبٌ للآخرة، والرَّحمةُ أخصُّ مطلوبٍ له، والخارجُ طالبٌ للمعاش في الدنيا وهو المراد بالفضل"10، ويقول صاحب فيض القدير: "وفي هذا الدعاء عند الدخول استرواح أنه من دواعي فتح أبواب الرحمة لداخله"11، وقد تقدم في حديث فاطمة رضي الله عنها ذكر المغفرة قبل الرحمة، يقول في ذلك علي القاري: "وفي تقديم الغفران على الفتح نكتة لا تخفى، وخطر ببالي – والله أعلم – أنه يمكن أن تكون النكتة هي: أن الداخل لما كان متوجهاً إلى العبادة فطلب الرحمة الناشئة منها؛ فإن رحمة الله قريب من المحسنين، ولما كان الخارج متوجهاً إلى الأمور المباحة؛ فحينئذ يناسب أن يطلب فضله تعالى من عنده من غير مباشرة عبادة وسبب رحمة وعناية"12، ومعلوم أن الشيطان عدو للمسلم يصده عن ذكر الله، وعن الصلاة، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}13، يقول العباد: "وقد دلَّت النصوصُ المتقدِّمة على أهميَّة التعوُّذ بالله من الشيطان الرجيم، والالتجاء إلى الله  عزَّ وجلَّ منه سواء عند دخول المسجد، أو عند الخروج منه، وفي الدخول يقول كما في حديث عبد الله بن عَمرو المتقدّم: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم))، وأنَّ العبدَ إذا قال ذلك قال الشيطان: حُفظ منِّي سائر اليوم، أي جميعه، وفي الخروج يقول كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدِّم: ((اللَّهمَّ اعصمني من الشيطان))، وما مِن شكٍّ أنَّ الشيطان حريصٌ على الإنسان غاية الحرص عند دخول المسجد ليَصدّه عن صلاته، وليفوت عليه خيرها، وليقلل حظّه ونصيبه من الرحمة التي تنال بها، وحريص غاية الحرص على الإنسان عند خروجه من المسجد ليسوقه إلى أماكن الحرام، وليوقعه في مواطن الريب، فإن كان طريق خير قعد له فيه ليُثبطه عنه، وليُثنه عن المُضِيِّ فيه، وإن كان بخلاف ذلك قعد له فيه ليشجعه على المضيِّ فيه، وليدفعه على الاستمرار والمواصلة، نسأل الله أن يعيذنا وإيَّاكم وجميع المسلمين منه"14.

وفي هذا الدعاء ذكر في الاستعاذة كونها بالله – تعالى – بعظمته، ووجهه الكريم، وسلطانه القديم، قال الله عز وجل: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}15، يقول صاحب فقه الأدعية والأذكار: "وقوله: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم))" فيه تعوُّذٌ بالله وأسمائه وصفاته، ومن صفاته سبحانه "وجهُهُ" الموصوف بالكرم وهو الحسن والبهاء، ومن صفاته "السلطانُ" الموصوف بالقِدم وهو الأوليَّةُ التي ليس قبلها شيء، وفي هذا دلالة على عظمة الله سبحانه، وجلاله وكماله، وكمال قدرته وكفايته لعبده المستعيذ به، الملتجئ إليه سبحانه"16.

وباستشعار المسلم لهذه المعاني تراه محافظاً على مثل هذه الأوراد، راجياً ما فيها من خير، منتصراً بالله، معتصماً به من الشيطان الرجيم، ومن جنده أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 مسلم (1165).

2 أبو داود (393)، ابن ماجه (764)، النسائي (721)، أحمد (15477)، وصححه الألباني، انظر صحيح الكلم الطيب (65).

3 أبو داود (394)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (441).

4 ابن ماجه (771) وغيره، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (625).

5 ابن ماجه (765)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (627).

6 عمل اليوم والليلة لابن السني برقم (88)، وحسنه الألباني في الكلم الطيب برقم (64).

7 فقه الأدعية والأذكار عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (3/120).

8 سورة الجمعة (10).

9 نقل القول صاحب تحفة الأحوذي (2/215).

10 فقه الأدعية والأذكار عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (3/121).

11 فيض القدير (5/129).

12 مرقاة المفاتيح (2/408).

13 سورة المائدة (91).

14 فقه الأدعية والأذكار عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (3/121،122).

15 سورة فصلت (36).

16 فقه الأدعية والأذكار، عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (3/122).