حلاوة الطاعة

حلاوة الطاعة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:

فالطاعة لله تبارك وتعالى أمر شرعي مطلوب من العبد القيام بها في جميع أحواله، وسكناته، وهي الحكمة من وجود الخلق، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56]، فالطاعة تجعل العبد يحس بروعة الأنس بالله سبحانه وتعالى، ويشعر العبد بفرحة وسرور عندما يؤدي هذه العبادة طاعة لله تبارك وتعالى؛ لأنه بذلك يمتثل لأمر الله تبارك وتعالى، فالطاعة جميل فعلها، فهي تزيد الوجه نوراً، وتقوي البدن، وتوسع الرزق والصدر، وتزيد في قلوب الناس حباً، ولكي يجد العبد حلاوة الطاعة في نفسه يجب عليه أن يتبع الأسباب التالية:

1.  حب الله عز وجل، وحب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وتقديم كل ما جاء عنهم، وتقديمه عما سواه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}[الأحزاب: 36].

2.  تربية الناشئة على الطاعة لله تبارك وتعالى، وغرس هذا المفهوم في حياتهم، بل وجعله من الثوابت التي لا يمكن التنازل عنها بأي حال من الأحوال، وهذا ما أرشدنا إليه الشارع الحكيم، وهنا لا نستغرب حين يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نعلم الأطفال الصلاة لسبع، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع))1، فتعليم الأطفال، وتعويدهم على الطاعة في هذا السن المبكر يجعلهم يتشربون الطاعة في نفوسهم، مما يجعلهم في مداومة عليها.

3.  أن يقوم العبد بالعمل، والطاعة لله تبارك وتعالى لا يرجو بها إلا وجه الله عز وجل وحده، ولا يريد بذلك رياءً، ولا سمعةً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى … الحديث))2.

4.  امتثال الثلاثة المعالم التي حددها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليجد العبد من خلالها الإيمان، وحلاوته، ويترتب عليها أن يجد العبد حلاوة الطاعة لله تبارك وتعالى فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))3.

5.  الإكثار من الذكر لله عز وجل، وصدق اللجوء إليه تبارك وتعالى؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت يا رسول الله: آمنا وبك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبهما كما يشاء))4.

6.  من الأسباب التي توصل العبد إلى أن يجد حلاوة الطاعة: الرضا بما كتبه الله للعبد من الرزق، والقضاء والقدر، وغيره من الأمور التي كتبها الله عز وجل على العبد، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله: دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الناس قال: ((ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس))5.

7.    البعد عن المعاصي صغيرها، وكبيرها؛ لأن المعاصي تنقص الإيمان، فالإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.

8.  سمو الهدف، وعلوه، وعدم النظر إلى سفاسف الأمور، فحين يكون هدف العبد عالياً، ويعلم أن الله عز وجل أعد للمتقين جنان تجري من تحتها الأنهار، وأنه سيجاور النبيين، والصالحين، فإنه ستسمو نفسه، ويعمل للباقي في أيام الفاني، ويشمر عن ساعد الجد.

9.  الصبر، ومجاهدة النفس عملاً بقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200]، فهذه الآية من آيات التقوى في القرآن الكريم التي تحث العبد على ملازمة التقوى في كل أحواله، و"في هذه الآية الكريمة أوامر إلهية واضحة للمؤمنين:

– الصبر على الطاعات والمكاره.

– المصابرة في مجابهة ومقاتلة أعداء الله.

– المرابطة في سبيل الله وخوض الجهاد دفاعاً عن دين الإسلام وبلاد الإسلام وما يتصل بذلك.

– تقوى الله سبحانه في كل ما تقدم لأن تقوى الله هي سبيل النجاح والنجاة في كل الأمور السابقة ونيل الفلاح برضا الله سبحانه ونيل جزاؤه العظيم"6.

هذه بعض الأسباب التي يستطيع العبد من خلالها أن يجد حلاوة الطاعة، وحلاوة الإيمان، وحين يجدها يكون بذلك وصل إلى قمة السعادة الحقيقية التي عرفها أسلافنا الأوائل رضي الله عنه حتى قال قائلهم، وهو "إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الإيمان لجالدونا عليها بالسيوف، فهذه هي السعادة التي يتكلم عنها علماء السلف يعني: لو يعلم أصحاب الدنيا والمال والملك والجاه والسلطان لقاتلونا عليها، لأن السعادة في نظرهم هي التمتع بملاذ الدنيا من أكل وشرب ونساء، وهذه هي الغاية التي يريدونها من السعادة، وأكثر النَّاس يبحثون عن السعادة، لكن طريقهم ليس هو طريق السعادة؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل الحياة الدنيا طريق الشقاوة، شقاوة المعيشة والضنك"7، ويجد العبد ثمرات حلاوة الطاعة في الدنيا قبل الآخرة فمن ثمرات الطاعة:

1.  يحظى الملتزم بدين الله عز وجل باحترام الناس له، وبتقديرهم، وخاصة العبد المخلص لله عز وجل، وينال أعلى الدرجات في أوساط مجتمعه.

2.    السعادة في الدارين، في الدنيا، والآخرة؛ لأن الطاعة هي الطريق الوحيد للسعادة، والفلاح في الدنيا والآخرة.

3.  الرزق من الله عز وجل قال الله عز وجل حاكياً على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح: 10-13].

4.  "اطمئنان القلب، واستقامة الجوارح، وهو ما يُكسب المرء سعادة الدنيا، وهي عاجل نصيبه من الخير: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[النحل: 97]"8.

هذه أهم الثمرات التي يجنيها المسلم من طاعته لله تبارك وتعالى، والثمرة العظمى، والتي لا تعدلها ثمرة هي الجنة التي أعدها الله عز وجل لمن أطاعه، والتي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

نسأل الله عز وجل أن يستعملنا في طاعته، وأن يجنبنا معاصيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.


1 مسند أحمد (6756)، وصححه الألباني في مختصر إرواء الغليل (1/60).

2 صحيح البخاري (1).

3 رواه البخاري (15).

4 سنن الترمذي (2140) وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (5/140).

5 المعجم الكبير للطبراني (5972)، وقال الألباني: "حسن لغيره" انظر: صحيح الترغيب والترهيب (3/137).

6 آيات التقوى في القرآن الكريم (1/80).

7 شرح العقيدة الطحاوية (1/1877)

8 الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل (1/444).