مفهوم لا إله إلا الله

مفهوم لا إله إلا الله

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

إن أهم ما يجب على المسلم معرفته: معنى لا إله إلا الله معرفة صحيحة، هذه الكلمة التي من أجلها خلقت السماوات والأرض، ولأجلها خلق الخلق، ونصب الميزان، وخلقت الجنة والنار.. والناس مطالبون بهذه الكلمة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله..) متفق عليه.

معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهي تتضمن شيئين:

إفراد الله بالعبادة، والكفر بالطاغوت وهو: كل ما يعبد أو يطاع من دون الله.

فعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله تعالى) رواه مسلم. فتبين لنا أنه لا بد من هذين المعنيين في الشهادة:

1.   إفراد الله بالعبادة.

2.   الكفر الطاغوت.

ولا يصح أحدهما دون الآخر، فمن وحد الله ولم يكفر بالطاغوت فليس بموحد، والعكس كذلك. قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة: 256]، فجمع الله تعالى بين الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.

إذن معنى هذه الكلمة هو: أن يطاع الله وحده، ويعبد وفق كتابه، وسنة نبيه، والإيمان بكل ما جاء عن الله تعالى والعمل به، وترك طاعة غيره إذا خالفت طاعته.

مفهوم خاطئ عند كثير من الناس للشهادة:

يفهم كثير من الناس وبالذات اليوم: أن من أقر أن الله هو الخالق، والرازق، والمالك فإنه يكون بذلك موحداً، وأنه على ملة محمد بن عبد الله، حتى ولو دعا غير الله، أو استغاث بغير الله، أو أطاع أحداً في معصية الله معتقداً أن طاعة ذلك الند أعظم أو مساوية لطاعة الله. حتى أن بعضهم ليجمع بين المتناقضات، فهو يقول: لا إله إلا الله، ويدعو غير الله من المخلوقين الضعفاء، فيقول: المدد المدد يا عبد القادر! أو يا بدوي! أو يا عيدروس! أو يا ابن علوان !! ومنهم من يقول: لا إله إلا الله مرات كثيرة في اليوم، وهو يعتقد بأهمية الذبح عند القباب، والنذر لها من دون الواحد الأحد!!.

وهذا المفهوم الخاطئ أدى بالأمة إلى أن تصل إلى ما وصلت إليه من الانفصام عن الحق، فأصبحت تتخبط بين الحقيقة والأوهام، بين الحق والباطل، فقطعت الصلة مع الله، وأصبح الناس يلجؤون إلى من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فكانت الهزيمة الكبرى للأمة نتيجة حتمية لذلك.

وهذا الاعتقاد كان عليه كفار قريش فقد ذكر الله عنهم في كتابه قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان: 25]. وكانوا مع هذا يقولون عن الأصنام والأولياء -كما أخبر الله عنهم-: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: 3] أي وسائط بيننا وبين الله كما يفعل أصحاب المفهوم الخاطئ  اليوم، حيث يقولون: هذا الولي ينفعنا عند الله، فلا بد من التقرب له وإكرامه!! أو أن منزلته عند الله عظيمة فهو يشفع لي.. فتشابهت القلوب! ولا حول ولا قوة إلا الله.

أما الكفر بالطاغوت – الذي هو الشق الثاني اللازم لمعنى الشهادة – فمعناه:

الطاغوت: قال النووي: قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: كل ما عبد من دون الله1.

وقال ابن جرير: " الطاغوت: كل ذي طغيان على الله لمن عبده من دونه، إما بقهره لمن عبده أو بطاعة من العباد له، إنساناً كان ذلك المعبود، أو شيطاناً، أو وثناً، أو صنماً، أو كائناً ما كان من أي شيء"2.

والكفر به: الابتعاد عن عبادته، التي هي طلب البركات منه، أو الشفاعات، أو دفع البليات، أو إنالة الحاجات، أو التوجه إليه بالدعاء، ولابد من بغضه وعداوته، وعداوة عابديه ومقاطعتهم، والتبري منهم؛ لقول الله تعالى:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: 22].

فالصنم طاغوت، والقوانين الوضعية طاغوت، والدعاية إلى القومية العربية دون النظر إلى الإسلام طاغوت، ومن دعا الناس إلى طاعة نفسه في معصية الله فهو طاغوت، والذين يشرعون الأحكام المخالفة لمنهج الله طواغيت.

فمن لوازم لا إله إلا الله الكفر بكل ما سبق من الطواغيت ويكون ذلك:

      ببغضهم وكراهيتهم وتمني زوالهم.

      التصريح باللسان مع الاستطاعة بتقبيحهم والبراءة منهم.

      وبالجوارح: مجاهدتهم ومنابذتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

وأقل الواجب – الذي لا يسقط عن أحد – هو بغضهم بالقلب، وهو من إنكار المنكر، وليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل.

إذاً يتضح لنا: أن معنى لا إله الله عظيم وكبير، وليس كما يفهم كثير من الناس اليوم أن معناها: مجرد الاعتراف بالله ووجوده، والإقرار بملكه فقط، بل معناها ومفهومها هو ما أخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عندما قال لقومه: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)3 فلما عرفوا معناها قالوا: تباً لك ألهذا جمعتنا؟!!. ولو كانت كما يفهم القوم اليوم لقالوها، ولكن معناها فوق ما يتصوره الجهال. إن معناها باختصار:

1.   توحيد الله في الطاعة والقصد والإرادة.

2.   ولاء وبراء: ولاء للمؤمنين، وعداء للكافرين عموماً.

3. توحيد الله في الحكم والتشريع: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[يوسف: 40]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47].

4.   حب الله ورسوله فوق كل حب.

5. اتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم- في ما أمر، وتصديقه في كل ما أخبر، والابتعاد عن كل ما نهى عنه وزجر.. بهذا نحقق معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله.

نسأل الله تعالى أن يحيينا على كلمة التوحيد، وأن يميتنا عليها، إنه قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين.


1 شرح النووي على مسلم (1/ 323).

2 تفسير الطبري (5/419).

3 رواه الإمام أحمد في المسند.