برامج تربوية للحلقات القرآنية

برامج تربوية للحلقات القرآنية

الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وجامع الناس ليوم الدين، منزل الكتاب، القائل في كتابه الكريم: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ …  (آل عمران:7)، وله الحمد بأن تولى حفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب سواه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وسلم، أما بعد:

إن الله – تبارك وتعالى – أنزل إلى هذه الأمة أحسن الكتب، وأرسل لها أفضل الرسل محمد بن عبد الله ، وتولى حفظ كتابه الكريم بنفسه، بخلاف بقية الكتب فقد دخلها التحريف والتبديل، ومن حفظ الله – تبارك وتعالى – لهذا الكتاب الكريم أن هيأ لحفظه أناساً حفظوه في صدورهم، وإن من فضل الله – تبارك وتعالى – على هذه الأمة أن رفع بهذا الكتاب أقواماً، ووضع به آخرين، فمن حفظه وعمل به فإن الله – تبارك وتعالى – يكرمه بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين العاملين بهذا الكتاب، وبسنة النبي فعن عامر بن واثلة  أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر  بعسفان وكان عمر  يستعمله على مكة فقال: “من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى! قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله ​​​​​​​، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم  قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين 1، فما أحوج الناس اليوم إلى العودة إلى القرآن الكريم فهو النور الذي لا يخبو، والطريق الذي من يسلكه لا يكبو، وهو الذي تشبع من تلاوته النفوس ولا تمل، وهو لكل مشكلة الحل، والمخرج من كل معضل، وهو طمأنينة للنفس، وراحة للقلب من القلق والتخبط، ولقد كانت البشرية تعيش قبل نزوله في دروب مظلمة؛ إلى أن جاء هذا القرآن فأضاء لها الطريق، وأرشدها إلى الصراط المستقيم، وما هي إلا سنوات قلائل حتى سار الصحابة الكرام يجوبون الفيافي، ويقطعون القفار؛ حاملين مشعل الهداية والتوحيد للبشرية، فكانت أبدانهم ودماؤهم، وأموالهم وأرواحهم؛ ثمناً لذلك.

ثم دار الزمان دورته، وبدأت بشائر النور تلوح وتحلق في الأفق، تشعر جيل الصحوة المباركة، وحاملي لوائها؛ أن نجاة الأمة وفلاحها، وطريق عزها؛ هو في العودة إلى القرآن الكريم، وتدريسه، وتعلمه، وتعليمه.

يشهد لهذا الإقبال المتميز المتزايد على الحلقات القرآنية، وعلى الدور النسائية، وهذا يزيد من عظم المسؤولية الملقاة على عاتق المعلمين والمعلمات، والمربين والمربيات، وجميع القائمين على هذه الحلقات. حينما يعلم ويدرك هذا المعلم ما الأهداف والغايات التربوية من هذه الحلقات القرآنية، وحين يأتي هذا المعلم وقد استكمل مقوماته التربوية؛ يأتي دور الأساليب والبرامج التربوية العملية التي من خلالها نستطيع الدخول إلى أغوار نفس الطالب، والتأثير فيها، فمن هذه الأساليب التربوية التي تساعد المعلم على غرس الصفات الحسنة، ونزع الصفات السيئة لدى الطالب، وتساهم أيضاً في تخريج جيل قرآني قوي متميز ما يلي:

أولاً: التربية بالقدوة: نعم التربية قدوة قبل أن تكون توجيهاً، وعملاً قبل أن تكون قولاً، والمربي ينبغي عليه أن يربي الناس بفعله قبل قوله، فحين يجاوز حدود الشرع كيف سيربي غيره على الورع، والتقوى، ورعاية حدود الله – تبارك وتعالى -؛ والمتربي يرى المخالفة الشرعية ممن يربيه ويقتدي به؟ بل إنه بذلك قد يخرج جيلاً يتهاون بحرمات الله – تبارك وتعالى -، ويتجاوز حدوده، ويقصر في أوامره في سائر ميادين الحياة، وذلك لأنه يرى معلمه يفعل ويمارس ذلك، ومن المعلوم أن الصغار يقومون بتقليد أفعال المربين لهم، وأعظم المربين على الإطلاق هم الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام -، لذلك جعلهم الله – تبارك وتعالى – في درجات من الكمال يصلُحون بها أن يكونوا قدوات لأقوامهم، بل كانوا كذلك يؤكدون أنهم لا يبتغون أجراً على عملهم إنما يطلبون الأجر من الله – تبارك وتعالى -، وهذا التأكيد نفسه إظهار لعظيم التزامهم بما يدعون إليه قال الله – تبارك وتعالى -: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (الممتحنة:4)، ونبي الله شعيب  يقول لقومه: قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود:88)، وجاء على ألسنة عدد من الأنبياء – عليهم السلام – في القرآن الكريم قولهم لأقوامهم: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (هود:88)، ولما كان رسول الله محمد خاتَمَ النبيين؛ فقد كان بسَمْته وحاله، ومسلكه وخشوعه، وحكمته وشجاعته، وصبره وحلمه؛ أعظم أسوة لمن طلب الحق والصواب، والترقي في معارج الكمال قال الله – تبارك وتعالى -: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب:21)، ومن شأن الناس أنهم إذا خالطوا الرجل العظيم عن قرب؛ كشفوا فيه بعض جوانب النقص والضعف التي تعتري الإنسان، فضعُفت هيبته ومكانته في نفوسهم، إلا رسول الله فقد كان مَن رآه هابَه، ومن خالطَه وعاشره أحبّه وعظمه.

ثانياً: الخوف من الله – تبارك وتعالى – والرجاء: وذلك بغرسه في نفوس طلاب الحلقات القرآنية، من أن الله شديد العقاب على العاصين لأمره، التاركين لفرائضه، فقد توعد العصاة بالنار المحرقة يوم القيامة قال الله – تبارك وتعالى -: اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (المائدة:98)، وقال: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (هود:102)، وفي المقابل وعده للمؤمنين الطائعين المؤدين لحقوق الله – تبارك وتعالى – بالجنة الواسعة التي فيها الأنهار والأشجار قال الله – تبارك وتعالى -: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ (محمد: 15)، إلى غيره مما يساعد في بناء الخوف والرجاء من الله – تبارك وتعالى -.

ثالثاً: القصص الهادفة التي لها تأثير عظيم لدى النفوس: فعلى المعلمين أن يكثروا من القصص النافعة لطلابهم فهو خير عون لهم على تربية الطلاب، والقرآن والسنة يحملان في طياتهما عدداً من القصص العظيمة.

رابعاً: المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد: وذلك لربط الطالب بالمسجد، وتعويده على ارتياده ليعتاد عليه كبيراً، ويسهل عليه الذهاب إليه، وهذا مما ينمي السمات الإيمانية لدى طالب الحلقة القرآنية، وبيان فضل المسجد والذهاب إليه فعن أبي هريرة : عن النبي  قال: من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزلاً من الجنة كلما غدا أو راح 2، وأن الذي يحب اعتياد المساجد يظله الله – تبارك وتعالى – في ظله يوم لا ظل إلا ظله فعن أبي هريرة : عن النبي  قال: سبعة يظلهم الله في ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه3.

خامساً: ترغيب الطلاب في حفظ القرآن الكريم: ينبغي حث الطلاب على الحفظ، وتدعيم ذلك بالآيات والأحاديث التي فيها ذكر فضائل تلاوة القرآن وحفظه، وذكر الأجر المترتب عليه، وإيراد هدي السلف في الحفظ والتلاوة مما يشحذ الهمم، ويقوي العزائم.

سادساً: الحنان الفياض من المعلم لطلاب: فلماذا لا تمتد أيدينا على كتف طالب في حب بدلاً من أن تمتد للضرب والمعاقبة.

سابعاً: الدعاء المبارك: دعوة مباركة صادقة من معلم قد تكفيك كثيراً مما تعاني، وتجلب لك أكثر مما ترجو، وقد قال الله – تبارك وتعالى -: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة:186)، والنبي  قدوة لنا فقد روي عن عبد الله بن مسعود  قال: كأني أنظر إلى النبي يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون4.

ثامناً: النصح والتوجيه غير المباشر: وهذا له فوائد عديدة تؤثر في نفس الطالب، ويزداد حبه للمعلم، حيث يشعر أنه يعلم أخطاءه، وأيضاً شعور الطالب بحفظ كرامته وشخصيته عند مدرسه وزملائه، كما يساعد ذلك على تصحيح أخطاء مشابهة للخطأ الذي وقع فيه الطالب لدى طلبة آخرين دون علم المدرس، ومن صور النصح والتوجيه غير المباشر مثلاً: القصة، التعريض، تكليف من وقع منه الخطأ بكتابة موضوع مختصر عن حكم ذلك، وغيرها من الصور.

فهذا ما تيسر القول فيه وإلا فبإمكان  كل شخص أن يقترح أشياء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


1 رواه مسلم برقم (817).

2 رواه البخاري برقم (631)، ومسلم برقم (669).

3 رواه البخاري برقم (629)، ومسلم برقم (1031).

4 رواه البخاري برقم (3290)، ومسلم برقم (1792).