تكفين الميت

صفحة جديدة 8

تكفين الميت

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وخير داع إلى الصراط المستقيم، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فمن أحكام الجنازة تكفين الميت، ويكون بعد أن يغسل الميت.

حكم التكفين، والمُلزم بالكفن:

تكفين الميت فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط على الباقين، لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم: ((كفنوه في ثوبيه))1.

ونفقات التكفين ومؤنة التجهيز من حمل للمقبرة ودفن ونحوه، من تركة الميت، أي من ماله الخاص الذي لم يتعلق به حق الغير كالمرهون، ويقدم على الدين والوصية، لحديث خباب بن الأرت قال: (هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء (وفي رواية: ولم يترك)، إلا نمرة فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ضعوها مما يلي رأسه (وفي رواية: غطوا بها رأسهواجعلوا على رجليه الإذخر))، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها)2 أي يجتنيها.

فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته في حال الحياة، فإن لم يوجد أحد ممن تلزمه نفقة الميت، فنفقة تكفينه وتجهيزه من بيت مال المسلمين إن وجد، وإلا فعلى جماعة المسلمين المستطعين3.

صفة الكفن:

ينبغي أن يكون الكفن طائلاً سابغاً يستر جميع بدن الميت، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلاً فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه))4. وزيادة عند أحمد: ((إن استطاع)).

قال العلماء: "والمراد بإحسان الكفن نظافته وكثافته وستره وتوسطه، وليس المراد به السرف فيه والمغالاة ونفاسته"5.

ويستحب أن يكون أبيضاً سواء أكان جديداً -وهو الأفضل- أو غسيلاً6، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم))7.

ومقدار الكفن الواجب ثوب يستر جميع الميت، إلا المحرم فإنه يستر جميع بدنه إلا رأسه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته، أو قال: فأوقصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيباً، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً))8.

فإن ضاق الكفن عن ذلك ولم يتيسر السابغ الذي يستر جميع البدن ستر به رأسه وما طال من جسده، وما بقي منه مكشوفاً جُعل عليه شيءٌ من الإذخر، أو غيره من الحشيش لحديث خباب بن الأرت في قصة مصعب وقوله صلى الله عليه وسلم في نمرته: ((ضعوها مما يلي رأسه -وفي رواية: غطوا بها رأسهواجعلوا على رجليه الإذخر))9.

مقدار الكفن المستحب للرجل والمرأة:

يستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سَحُولية جُدَد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة)10.

أما المرأة فيستحب تكفينها في خمسة أثواب11؛ إزار وخمار وقميص ولفافتين12، فعن ليلى بنت قائف الثقفية، قالت: (كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقو، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر)13.

قال ابن المنذر: "أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب"14.

وقال العلامة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: "السنة أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض، كما كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن كفن في ثوب واحد واسع يعمه ويستره كفى، وإن كفن في قميص وإزار ولفافة جاز، أما المرأة فالأفضل تكفينها في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، فهذا هو الأفضل كما ذكره أهل العلم، وجاء في ذلك أحاديث تدل عليه، وإن كفنت في أقل من ذلك فلا بأس"15.

أما الصغير فيكفن في ثوب واحد، ويباح ثلاثة أثواب، وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين، والواجب في حق الجميع ثوب واحد يستر جميع الميت16.

تجمير الأكفان:

يستحب تجمير الأكفان بالبخور ثلاثاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً))17.

كيفية تكفين الرجل والمرأة:

ويتم تكفين الرجل بأن تبسط اللفائف الثلاث بعضها فوق بعض, ثم يؤتى بالميت مستورًا وجوباً بثوب ونحوه، ويوضع فوق اللفائف مستلقياً, ثم يؤتى بالحنوط وهو الطيب ويجعل منه في قطن بين أليتي الميت, ويشد فوقه خرقة, ثم يجعل باقي القطن المطيب على عينيه ومنخريه وفمه وأذنيه وعلى مواضع سجوده: جبهته, وأنفه, ويديه, وركبتيه, وأطراف قدميه, ومغابن البدن: الإبطين, وطي الركبتين وسرته, ويجعل من الطيب بين الأكفان وفي رأس الميت, ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن, ثم طرفها الأيمن على شقه الأيسر, ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك, ويكون الفاضل من طول اللفائف عند رأسه أكثر مما عند رجليه, ثم يجمع الفاضل عند رأسه ويرد على وجهه, ويجمع الفاضل عند رجليه فيرد على رجليه, ثم يعقد على اللفائف أحزمة, لئلا تنتشر وتحل العقد في القبر.

وأما المرأة فتكفن في خمسة أثواب، يبدأ تكفينها بالإزار على العورة وما حولها، ثم تلبس قميصاً على الجسد، ثم القناع على الرأس وما حوله، ثم تلف بلفافتين على النحو المذكور بالنسبة للرجل18.

المغالاة في الكفن:

ينبغي أن يكون الكفن حسناً دون مغالاة في ثمنه، لأن في المغالاة فيه إضاعة للمال وقد نهينا عن ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال))19. قال الشعبي: إن علياً رضي الله عنه قال: لا تغال لي في كفن، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلباً سريعاً))20، وقال أبو بكر: (اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها)، قالت عائشة: (إن هذا خَلَق21) قال: (إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة22) رواه البخاري.

تكفين الشهيد:

أما الشهيد فإنه يكفن في ثيابه التي قتل فيها، لحديث عبد الله بن ثعلبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: ((زملوهم في ثيابهم))23، وإذا زيد ثوب أو أكثر فوق ثيابه فلا بأس بذلك بل استحبه بعض العلماء24، لحديث حباب بن الأرت في قصة مصعب بن عمير عندما كفن في نمرة، وقال لهم الرسول: ((ضعوها مما يلي رأسه (وفي رواية: غطوا بها رأسهواجعلوا على رجليه الإذخر))25.

نسأل الله أن يرحمنا، وأن يغفر لنا، ويتجاوز عن سيئاتنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه الجماعة.

2 متفق عليه.

3 راجع: الفقه الإسلامي (2/1498).

4 رواه مسلم، وأصحاب السنن، وأحمد.

5 ملخص أحكام الجنائز (1/34)

6 راجع: الملخص الفقهي (صـ 217).

7 رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1638).

8 متفق عليه.

9 متفق عليه.

10 رواه الجماعة.

11 قال العلامة الألباني: (والمرأة في ذلك كالرجل إذ لا دليل على التفريق) مختصر أحكام الجنائز (1/35).

12 راجع: المغني (2/346)، والشرح الكبير(2/339)، والملخص الفقهي: (صـ 217).

13 رواه أحمد وأبو داود، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود رقم (691).

14 المغني: (2/346).

15 مجموع فتاوى ومقالات ابن باز رحمه الله.

16 راجع: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز، والملخص الفقهي (صـ 217).

17 رواه أحمد، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (صـ 84).

18 راجع: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم (4141)، والملخص الفقهي (صـ 217-218).

19 متفق عليه.

20 رواه أبو داود، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود رقم (689)، وضعيف الجامع رقم (6247).

21 الخلق: غير الجديد.

22 المهلة: القيح السائل من الميت.

23 رواه أحمد، وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز (1/35)، وشعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند رقم (23706).

24 منهم العلامة الألباني، انظر مختصر أحكام الجنائز (1/35).

25 متفق عليه.