حكم تقبيل القرآن الكريم

حكم تقبيل القرآن الكريم

 

لا شك أن للقرآن منزلة عظيمة، ومكانة جليلة في قلب كل مسلم فهو كلام الله تعالى، ومنهج حياتهم، وقد كتب القرآن في المصاحف واستطاع كل أحد -بفضل الله تعالى- أن يقتنيه ويمتلكه ولكن هل يجوز تقبيله؟

سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب بقوله: لا حرج في ذلك لكن تركه أفضل لعدم الدليل، وإن قبَّله فلا بأس. وقد روي عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أنه كان يقبله ويقول: "هذا كلام ربي"، لكن هذا لا يحفظ عن غيره من الصحابة ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي روايته نظر، لكن لو قبَّله من باب التعظيم والمحبة لا بأس، ولكن ترك ذلك أولى[1].

وأما اللجنة الدائمة للإفتاء فأجابت في مسألة تقبيل المصحف بالفتوى التالية: لا نعلم لتقبيل الرجل القرآن أصلاً. وفي جواب آخر: لا نعلم دليلاً على مشروعية تقبيل القرآن الكريم، وهو أنزل لتلاوته وتدبره وتعظيمه والعمل به[2].

وجاء في الآداب الشرعية لابن مفلح ما نصه: وعنه (أي جاء عن الإمام أحمد) التوقف فيه (أي في تقبيل المصحف) وفي جَعْلِه على عينيه[3].

قال القاضي في الجامع الكبير: إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام لأن ما طريقه القُرَب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يُستحب فعله، وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف، ألا ترى أن عمر لما رأى الحجر قال: "لا تضر ولا تنفع ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلك ما قبَّلتُك"[4]. ا. هـ.

وسئل الشيخ الألباني رحمه الله ما حكم تقبيل المصحف؟ فأجاب بقوله:

هذا مما يدخل في اعتقادنا في عموم الأحاديث التي منها: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)[5]، وفي حديث آخر: (كل ضلالة في النار)[6]، فكثير من الناس لهم موقف خاص من مثل هذه الجزئية، يقولون: وماذا في ذلك؟! ما هو إلا إظهار تبجيل وتعظيم القرآن، ونحن نقول صدقتم ليس فيه إلا تبجيل وتعظيم القران الكريم! ولكن تُرى هل هذا التبجيل والتعظيم كان خافياً على الجيل الأول -وهم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك أتباعهم وكذلك أتباع التابعين من بعدهم؟ لا شك أن الجواب سيكون كما قال علماء السلف: لو كان خيراً لسبقونا إليه.

هذا شيء، والشيء الآخر: هل الأصل في تقبيل شيء ما الجواز أم الأصل المنع؟

هنا لا بد من إيراد الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحهما ليتذكر من شاء أن يتذكر، ويعرف بُعد المسلمين اليوم عن سلفهم الصالح، وعن فقههم، وعن معالجتهم للأمور التي قد تحدث لهم.

ذاك الحديث هو: عن عباس بن ربيعة قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُقبل الحجر (يعني: الأسود) ويقول: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، فلولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبلتُك)[7]، وما معنى هذا الكلام من هذا الفاروق: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبلتك؟!.

إذاً، لماذا قبل عمرُ الحجر الأسود، وهو كما جاء في الحديث الصحيح (الحجر الأسود من الجنة)[8].؟! فهل قبله بفلسفة صادرة منه، ليقول كما قال القائل بالنسبة لمسألة السائل: إن هذا كلام الله ونحن نقبله؟! هل يقول عمر: هذا حجر أثر من آثار الجنة التي وُعد المتقون فأنا أُقبله، ولست بحاجة إلى نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبين لي مشروعية تقبيله؟! أم يعاملُ هذه المسألة الجزئية كما يريد أن يقول بعض الناس اليوم بالمنطق الذي نحن ندعو إليه، ونسميه بالمنطق السلفي، وهو الإخلاص في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن استن بسنته إلى يوم القيامة؟ هكذا كان موقف عمر، فيقول: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلك لما قبلتك.

إذاً الأصل في هذا التقبيل أن نجري فيه على سنة ماضية، لا أن نحكم على الأمور كما أشرنا آنفا فنقول: هذا حسن، وماذا في ذلك؟![9] أ.هـ

إذن الخلاصة مما سبق: أن العلماء اختلفوا في حكم تقبيل المصحف، فمنهم من قال: لا بأس بتقبيل المصحف وترك ذلك أولى لعدم ورود الدليل،  لدخوله في عموم التعظيم لكتاب الله عز وجل كما ذكر ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وهذا إذا لم يعتقد من يقبل المصحف قربة ذلك الفعل وسنِّيته، أما إذا اعتقد ذلك فلا شك أنه بدعة، ومنهم من منعه مطلقاً وعده من البدع التي ما فعلها السلف الصالح.. والله تعالى أعلم. والحمد لله رب العالمين.


[1] فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله من فتاوى مجلة الدعوة العدد: (1643).

[2] فتاوى اللجنة الدائمة (4172).

[3] الآداب الشرعية (2/273).

[4] رواه البخاري (1597) ومسلم (1270).

[5] أخرجه البيهقي في الشعب (7255)، وصححه الألباني.

[6] أخرجه النسائي (1560)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1353).

[7] سبق تخريجه.

[8] أخرجه الترمذي (803) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (2618)

[9] من كتاب كيف يجيب علينا أن نفسر القرآن.