زكاة عروض التجارة

زكاة عروض التجارة

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، أما بعد:

فإن الله قد أوجب إخراج الزكاة في أصناف متعددة، وبشروط معلومة، ومن هذه الأصناف التي تجب فيها الزكاة: عروض التجارة، وهي كل ما أعده الإنسان للتكسب والتجارة من عقار وحيوان وطعام وشراب وسيارات وغيرها من جميع أصناف المال1.

والدليل على وجوب الزكاة في عروض التجارة قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24-25]، وعروض التجارة هي أغلب الأموال, فكانت أولى بدخولها في عموم الآيات.

وروى أبو داود عن سمرة قال: (أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع)2، ولأنها أموال نامية, فوجبت فيها الزكاة كبهيمة الأنعام السائمة.

وأكثر العلماء على القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة؛ وخالف في ذلك الظاهرية وغيرهم3.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الأئمة الأربعة وسائر الأمة -إلا من شذ- متفقون على وجوبها في عروض التجارة, سواء كان التاجر مقيماً أو مسافراً, وسواء كان متربصاً -وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخرها إلى وقت ارتفاع السعر- أو مديراً -كالتجار الذين في الحوانيت-, سواء كانت التجارة بزاً من جديد أو لبيس أو طعاماً من قوت أو فاكهة أو أدم أو غير ذلك, أو كانت آنية كالفخار ونحوه, أو حيوانا من رقيق أو خيل أو بغال أو حمير أو غنم معلفة أو غير ذلك, فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة, كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة"4.

ويشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة شروط:

الشرط الأول: أن يملكها بفعله, كالبيع, وقبول الهبة, والوصية, والإجارة, وغير ذلك من وجوه المكاسب.

الشرط الثاني: أن يملكها بنية التجارة, بأن يقصد التكسب بها; لأن الأعمال بالنيات, والتجارة عمل, فوجب اقتران النية به كسائر الأعمال.

الشرط الثالث: أن تبلغ قيمتها نصاباً من أحد النقدين.

الشرط الرابع: تمام الحول عليها, لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول))5. لكن لو اشترى عرضاً بنصاب من النقود أو بعروض تبلغ قيمتها نصابا, بنى على حول ما اشتراها به.

وكيفية إخراج زكاة العروض, أنها تقوم عند تمام الحول بأحد النقدين: الذهب أو الفضة, ويراعى في ذلك الأحظ للفقراء, فإذا قومت وبلغت قيمتها نصاباً بأحد النقدين, أخرج ربع العشر من قيمتها, ولا يعتبر ما اشتريت به, بل يعتبر ما تساوي عند تمام الحول; لأنه هو عين العدل بالنسبة للتاجر وبالنسبة لأهل الزكاة.

ويجب على المسلم الاستقصاء والتدقيق ومحاسبة نفسه في إخراج زكاة العروض, كمحاسبة الشريك الشحيح لشريكه, بأن يحصي جميع ما عنده من عروض التجارة بأنواعها, ويقومها تقييما عادلاً, فصاحب البقالة مثلا يحصي جميع ما في بقالته من أنواع المعروضات للبيع من المعلبات وأصناف البضائع, وصاحب الآليات وقطع الغيار والمكائن والسيارات المعروضة للبيع يحصيها ويقومها, وصاحب الأراضي والعمارات المعروضة للبيع يقومها بما تساوي, أما العمارات والبيوت والسيارات المعدة للإيجار, فلا زكاة في ذواتها, وإنما تجب الزكاة فيما تحصل عليه صاحبها من إجارها إذا حال عليه الحول, والبيوت المعدة للسكنى والسيارات المعدة للركوب والحاجة لا زكاة فيها6, وكذلك أثاث المنزل وأثاث الدكان وآلات التاجر, كالأذرع, والمكاييل, والموازين, وقوارير العطار, كل هذه الأشياء لا زكاة فيها; لأنها لا تباع للتجارة.

أيها المسلم! أخرج زكاة مالك عن طيب نفس واحتساب, واعتبرها مغنما لك في الدنيا والآخرة, ولا تعتبرها مغرما؛ قال الله تعالى: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 98-99]، فكل من الصنفين يخرج الزكاة, ويعامل عند الله على حسب نيته وقصده, فهؤلاء أخرجوها ونووها مغرماً يتسترون بها عن حكم الإسلام فيهم, وينتظرون أن تدور الدائرة على المسلمين, لينتقموا منهم, فصار جزاءهم أن عليهم دائرة السوء, وحرموا الثواب, وخسروا من أموالهم, والمؤمنون يعتبرون الزكاة حين يخرجونها قربات لهم, فهؤلاء يوفر لهم الأجر, ويخلف عليهم ما أنفقوا بخير منه: {أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ} لنيتهم الحسنة ومقصدهم الأسمى.

فاتق الله أيها المسلم, واستشعر هذه المعاني: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المزمل: 20]7. والله أعلى وأعلم.


1 مجالس شهر رمضان، للعلامة ابن عثيمين.

2 سنن أبي داود (1562)، وضعفه الألباني.

3 انظر: المحلى لابن حزم (5/209) وما بعدها.

4 مجموع الفتاوى (25/45).

5 رواه ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال الشيخ الألباني: "صحيح" كما في صحيح  ابن ماجه، رقم (1449) وهو في صحيح الجامع، برقم (7497 ).

6 لعموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) رواه البخاري (1395)، ومسلم (2321).

7 انظر: الملخص الفقهي للفوزان (1/248- 250).