الدعوة إلى الله تعالى

الدعوة إلى الله تعالى

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، أرسل رسوله بالهدى، ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فأخرجنا الله  برسالته من الظلمات إلى النور، والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الكرام، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فمن المعلوم أن الدعوة إلى الله – تبارك وتعالى – هي سبيل الأنبياء والمرسلين – صلوات الله عليهم أجمعين -، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين من العلماء الناصحين، والدعاة الصادقين، قال رب العزة والجلال في الكتاب الكريم مخاطباً رسوله  : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].

دعوةٌ واحدةٌ مستقيمة لا اعوجاج فيها، ولا شك، ولا شبهة، تستمدّ قوتها من القوي العزيز ، فنعم المولى ونعم النصير، فالرسل – عليهم الصلاة والسلام – دعاةٌ إلى التوحيد وإخلاص العمل لرب العالمين: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:165]، وذلك أنّ الفِطَر قد تتغيّر فينحرف بعض الناس إلى عبادة غير الله ​​​​​​​، أو تحكيم الطاغوت، أو المحاكمة إليه، فيقعون في الشرك والضلال البعيد؛ ومن أجل ذلك أرسل الله ​​​​​​​ الرسل – عليهم الصلاة والسلام -، وأنزل الكتب للدعوة إليه – سبحانه – تذكيراً للغافل، وتعليماً للجاهل، ورداً للشارد البعيد عن منهج الله ​​​​​​​، ودعوةً له للرجوع إليه – سبحانه – كما قال الله – تعالى -: وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [يونس:25]، ودار السلام هي الجنة، وقال سبحانه مبيناً ما يدعووا إليه المشركون، وما يدعو هو إليه: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة :221]، وقال سبحانه: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [إبراهيم:10].

فضل الدعوة إلى الله – تعالى -:

لما كانت الدعوة إلى الله ​​​​​​​ وظيفة الرسل – عليهم الصلاة والسلام -، فكل من سلك سبيل الدعوة فهو مقتفٍ لآثارهم، مبلغ عن الله ​​​​​​​، وعن رسوله ﷺ،  لذا كان للدعوة أهمية بالغة في دين الله ، وأثر كبير في إصلاح البشرية، وجعل الله لأصحابها شرفاً عظيماً، ومقاماً رفيعاً، وإمامة للناس في الدنيا قال الله – تبارك وتعالى -: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، وفضلاً عن هذا كله جعل الله لصاحبها أجراً عظيماً، ومنزلةً كبيرة، ومقاماً كريماً في الآخرة حيث قال: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، فهذا النص يؤكد أن الدعوة إلى الله  المقرونة بالعمل الصالح من أجلِّ الأعمال، وأفضل العبادات، وهي شهادة لصاحبها: أنه من أحسن الناس ديناً، وأقومهم طريقاً، وكفى بالله شهيداً.

ووعد الله  من دعا إلى الخير والهدى من المفلحين، بل وجعل الخيرية في الأمة بسبب دعوتهم إلى الخير قال الله – تعالى -: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أكبر عمل يقوم به الدعاة إلى الله ، ووصف – سبحانه – القائمين بأمر الدعوة إلى الله ​​​​​​​ بالصلاح فقال في محكم التنزيل: يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:114]، قال العلامة ابن سعدي – رحمه الله -: “فحصل منهم تكميل أنفسهم بالإيمان ولوازمه، وتكميل غيرهم بأمرهم بكل خير، ونهيهم عن كل شر، ومن ذلك حثهم أهل دينهم وغيرهم على الإيمان بمحمد 1.

وأخبر النبي الكريم  بما للداعية من خير فقال لعلي  في حديث طويل: فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْرِ النعَم رواه البخاري برقم (3973)؛ ومسلم برقم (2406)، والمراد بحمر النعم هي: أعز الأموال عندهم2، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: “قيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها، وقيل: تقتنيها وتملكها، وكانت مما تتفاخر العرب بها”3، وقد أخبر النبي  بما للداعية من أجر عظيم، وثواب دائم، ونماء في أجره، وتعاظم في ثوابه، ما دام أثر دعوته قائمًا، ونفعها جاريًا. وعن أبي هريرة أن رسول الله  قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً رواه مسلم برقم (2674)، وقال رسول الله : من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء رواه مسلم برقم (1017), قال الإمام النووي – رحمه الله – بعد هذين الحديثين: “من دعا إلى هدى، ومن دعا إلى ضلالة؛ هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة، وأن من سن سنة حسنة كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة؛ كان عليه مثل آثام تابعيه سواء كان ذلك الهدي والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقاً إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم، أو عبادة، أو أدب أو غير ذلك قوله : فعمل بها بعده معناه إن سنها سواء كان العمل في حياته، أو بعد موته، والله اعلم”4، ومن المعلوم أن الدعوة إلى الله – تبارك وتعالى – من الأمور الحسنة التي يقوم بها الدعاة إلى الله – تبارك وتعالى -، وبها تكون دلالة الناس على الخير، والعمل به، وبالدعوة يكون التحذير من الأمور المنكرة وتجنبها، ومما ورد في فضل تعليم الناس الخير حديث أبي الدرداء : قال سمعت رسول الله  يقول: إنه ليستغفر للعالم من في السموات ومن في الأرض؛ حتى الحيتان في البحر5.

فكل دعوة يقوم به الداعي إلى الله – تبارك وتعالى – يؤجر عليها وإن لم يستجب المدعوون، فإن استجاب المدعوون كان للداعي أجر بكل عمل يقوم به المدعو، مهما كان عدد المدعوين، ولو بلغ ألوفاً مؤلفة، ودهوراً مديدة، ولا يُنقص ذلك من أجر المدعوين شيئاً. فأي منزلة أعظم من هذا المنزلة؟ وأي ثواب أكبر من هذا الثواب؟ وأي عمل أنفع من هذا العمل؟ إن مِثْل هذا الفضل العظيم قلما يوجد في أمر من أمور الإسلام كما وجد في الدعوة إلى الله – تبارك وتعالى – قال الله  في محكم التنزيل وأصدق القيل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] قال العلامة ابن سعدي – رحمه الله -: “هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولاً أي: كلامًا وطريقة، وحالة مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين بالأمر بعبادة الله بجميع أنواعها، والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه، خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومن الدعوة إلى الله تحبيبه إلى عباده بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله. ومن الدعوة إلى الله الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله ​​​​​​​ ، وسنة رسوله  ، والحث على ذلك بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين”6.

نسأل الله ​​​​​​​ أن يوفقنا للقيام بأمر الدعوة، ونسأله التسديد في القول والعمل، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


1 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (143).

2 عون المعبود(4/ 206).

3 فتح الباري (7/478).

4 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (16/226-227).

5 رواه ابن ماجه برقم (239)؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (195).

6 تفسير السعدي (749).