التوسل وحكمه

التوسل وحكمه

 

التوسل وحكمه

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً. أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين من ربه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسيلما كثيراًَ..

أما بعد:

 أيها المسلون: هناك قضية عقدية اضطرب الناس فيها اضطراباً عظيماً، واختلفوا فيها اختلافاً شديداً، بين محلل ومحرم، وغال ومتساهل، ونريد في هذه العجالة أن نقف معها مبينين الحكم في مثل قول بعض الناس

: " اللهم بحق نبيك أو بجاهه أو بقدره عندك عافني واعف عني " أو " اللهم إني أسألك بحق البيت الحرام أن تغفر لي " أو " اللهم بجاه الأولياء والصالحين ارزقني مولوداً " أو " اللهم بكرامة رجال الدين عندك " أو " بجاه من نحن بحضرته وتحت مدده؛ فرج الهم عنَّا وعن المهمومين " ما حقيقة هذه الأقوال وحكم ؟

تلكم القضية – إذن – هي قضية التوسل، التي وصل الجهل بها عند بعض من يدعون العلم إلى أن يدعي أن التوسل مشروع ومستحب بكافة أشكاله وصوره، بل لقد غلا بعض الجهلة فأباحوا التوسل إلى الله تعالى ببعض مخلوقاته التي لم تبلغ من المكانة ورفعة الشأن ما يؤهلها لذلك؛ كقبور الأولياء والصالحين، بل والحديد المبني على أضرحتهم، والتراب والحجارة والشجر القريبة من قبورهم وغيرها، زاعمين أن ما جاور العظيم فهو عظيم، وأن إكرام الله لساكن القبر يتعدى إلى القبر نفسه، حتى يصبح وسيلة مشروعة يتوسل بها إلى الله! .

ولذلك كان لابد من بيان ما هو التوسل المشروع وما هو التوسل الممنوع، لئلا يكون للناس على الله حجة، و { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ }1.

عباد الله: إن الوسيلة المأمور بها في القرآن والسنة هي ما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 2. قال ابن جرير  – رحمه الله – : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ }صدَّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعدهم من الثواب وأوعد من العقاب {اتَّقُواْ اللّهَ} أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} اطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه 3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وهو يصف محمداً صلى لله عليه وسلم: "ففرَّق – الله به – بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق أهل الجنة وطريق أهل النار، وبين أوليائه وأعدائه. فالحلال ما حله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله. وقد أرسله الله إلى الثقلين: الجن والأنس، فعلى كل أحد أن يؤمن به، وبما جاء به، ويتبعه في باطنه وظاهره، والإيمان به ومتابعته هو سبيل الله، وهو دين الله، وهو عبادة الله، وهو طاعة الله، وهو طريق أولياء  الله، وهو الوسيلة التي أمر الله بها عباده في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ }4. فابتغاء الوسيلة إلى الله إنما يكون لمن توسل إلى الله بالإيمان بمحمد واتِّباعه. وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته فرض على كل أحد في كل حال باطناً وظاهراً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، في مشهده ومغيبه، لا يسقط التوسل بالإيمان به وبطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه، ولا بعذر من الأعذار، ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا التوسل بالإيمان به وبطاعته 5.

أيها المؤمنون: اعلموا – ثبتي الله وإياكم على الدين القويم، وأعانني وإياكم على المرور على الصراط المستقيم – أنَّ التوسل منه ما هو مشروع ومطلوب فعله، ومنه ما هو ممنوع ومطلوب تركه. ولقائل منكم أن يقول ما هو التوسل المشروع المطلوب فعله وقد وبالغت في التحذير آنفاً حين حذرت!؟ وما هو التوسل الممنوع المطلوب تركه وقد تراجعت وفصلت !؟ فأقول: إن التبرك المشروع يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: التوسل إلى الله – سبحانه وتعالى – بأسمائه الحسنى وصفاته العلى؛ كأن يقول المسلم في دعائه : " اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحيم الرحمن، اللطيف الخبير؛ أن تعافيني " أو  يقول : " اللهم إني أسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت؛ أن تجعل لي من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل عسر يسراً، ومن كل بلاء عافية، ومن كل صعب سهلاً " . أو يقول : " يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، يا جواد جُد عليَّ، يا رزاق ارزقني " أو يقول : " اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء؛ أن ترحمني وتغفر لي ". كما قال الله تعالى آمراً بدعائه بأسمائه وصفاته،: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} 6. وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق؛ أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " 7 . وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي إنك  أنت الغفور الرحيم. فقال صلى الله عليه وسلم: " قد غفر له قد غفر له" 8. وقال صلى الله عليه وسلم: " من كَثر همُه فليقل : اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي في يدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك؛ أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً " 9. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأما سؤال الله بأسمائه وصفاته التي تقتضي ما يفعله بالعباد من الهدى والرزق والنصر فهذا أعظم ما يسأل الله تعالى به 10.

القسم الثاني: التوسل إلى الله بعمل صالح قام به المتوسِل؛ كأن يقول في توسله ودعائه: " اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك؛ اغفر لي " أو يقول : " اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإيماني به؛ أن تفرج عني " . ولهذا القسم أدلته من الكتاب والسنة، كما قال الله تعالى عن عباده المؤمنين: { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 11. وقال تعالى:{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ}12. وقال تعالى: { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} 13. ومرّ حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه  قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إن أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. فقال: " قد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب " 14

واسمع – يا رعاك الله – إلى هذا الحديث العظيم؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء! لا ينجيكم إلاّ الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه. فقال واحدٌ منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجيرٌ عمل لي على فَرَق من أُرُز فذهب وتركه، وأني عمدت إلى ذلك الفَرِق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقراً، وأنه أتاني يطلب أَجَرَه فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنها من ذلك الفرق، فساقها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، ففرج عنا، فانساحت عنهم الصخرة. فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبويَّ، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر؛ فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، فانساحت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء. فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عمٍ من أحب الناس إلي، وأني راودتها عن نفسها، فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها فقالت: اتق الله ولا تفُضّ الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة الدينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا " 15.

القسم الثالث من أقسام التوسل المشروع، التوسل إلى الله بدعاء الرجل الحي الصالح؛ كأن يقول فلانٌ من الناس لعالمٍ من علماء الإسلام، أو لمن  كان عابداً  لله عرف بتقواه وقربه من الله: " ادع الله لي أن يشفيني "  أو " أن يهديني " أو " أن يثبتني على دينه الحق" ودليل ذلك؛ ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أصاب الناس َسنَةٌ – أي قحط وجدب وشدة – على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبينا النبي صلى الله وسلم يخطب على المنبر في يوم الجمعة، قام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا أن يسقينا، فرفع رسول الله صلى الله وسلم يديه، وما في قزعة، قال: فثار سحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، قال: فمطرنا يومنا ذلك، وفي الغد ومن بعد الغد، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال: يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله وسلم يديه، وقال : " اللهم حوالينا ولا علينا " . قال فما جعل رسول الله صلى الله وسلم يشير إلى ناحية من السماء إلا فرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي وادي قناة شهراً، فلم يجئ أحد من ناحيته إلا حدث بالجود " 16. وعن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال : فيسقون 17.

الخطبة الثانية:

 الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأصلي وأسلم على خير داع إلى رضوانه؛ محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.

 أيها الناس : أما النوع الثاني من أنواع التوسل فهو التوسل الممنوع، وهو قسمان:

القسم الأول : توسل بدعي؛ وهو التوسل إلى الله بما لم يرد في الشرع التوسل به؛ كالتوسل بذوات الأنبياء والصالحين، أو جاههم، أو حقهم، أو حرمتهم، ونحو ذلك، فهذا توسل بدعي؛ كأن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بجاه البدوي، أو بحق عبد القادر الجيلاني، أو بفلان وفلان، أو حتى التوسل إلى الله بنبيه بعد وفاة النبي؛ كأن يقول: " اللهم إني أتوسل إليك بنبيك أو بجاه نبيك، فهذه بدعة لا تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو يعدد أنواع التوسل بالنبي صلى الله وسلم المشروع منه والممنوع:

قال: التوسل يراد به ثلاث معان: أحدها : التوسل بطاعته، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.

الثاني: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته ويوم القيامة يتوسلون بشفاعته، والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم يكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة 18.

وقال رحمه الله: وأما سؤال الميت فليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب، بل ولا مباح، ولم يفعل هذا قط أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من سلف الأمة؛ لأن ذلك فيه مفسدة راجحة وليس فيه مصلحة راجحة، والشريعة إنما تأمر بالمصالح الخالصة أو الراجحة، وهذا ليس فيه مصلحة راجحة، بل إما أن يكون مفسدة محضة أو مفسدة راجحة، وكلاهما غير مشروع 19.

القسم الثاني من أقسام التوسل الممنوع، وهو توسل أشد حرمة من الذي قبله، بل هو كفر بالله تعالى، وهو التوسل الشركي، وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم، ونحو ذلك، قال الله تعالى مكفراً أولئك الذين اتخذوا وسائط مع الله: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 20. قال ابن تيمية – رحمه الله – بعد أن ذكر ما يجوز من التوسل في النبي صلى الله عليه وسلم وما لا يجوز: وإذا تبين لك ما أمر الله به ورسوله، وما نهى الله عنه ورسوله في حق أشرف الخلق، وأكرمهم على الله تعالى، وسيد الأولين والآخرين، وخاتم الرسل والنبيين، وأفضل الأولين والآخرين، وأرفع الشفعاء منزلة، وأعظمهم جاهاً عند الله – تبارك وتعالى – تبين أن من دونه من الأنبياء والصالحين أولى بأن لا يشرك به، ولا يتخذ قبره وثناً يعبد، ولا يدعى من دون الله، لا في حياته ولا في مماته 21 . إذا كان هذا – يا رعاكم الله – لا يجوز في حق أفضل الخلق، فكيف بمن يتوسل أو يستغيث بمن هم أدنى منه مرتبة، أو بمن يتوسلون بمن ليسوا بأولياء، بل قد يكون أحجاراً لا تضر ولا تنفع؟ إنَّ ذلك لهو الخسران المبين.

ويقول ابن تيمية: ولا يجوز أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين؛ مثل أن يقول: ياسيدي فلاناً أغثني، وانصرني، وادفع عني، أو أنا في حسبك، ونحو ذلك، بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله، وتحريمه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.22

عباد الله: تلكم هي أنواع التوسل وحكم كل نوع، وفي التوسل بالمشروع غنية عن التوسل بالممنوع.

فيا من قد استبدلتم ما حرم الله ورسوله بما شرعه الله ورسوله، ويا من توسلتم إلى الله، بما حرمه الله، ابتدعتم في دينكم البدع فنزع الله عنكم من السنة مثلها،  ولا يعيدها عليهم إلى يوم القيامة.

فالحذر الحذر مما يغضب الله، والنجاة النجاة مما يوجب سخط الله وعذابه، فإن عذاب الله أليم، ومرتع جنهم وخيم … 

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وازقنا اجتنابه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون،  وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 


 


1 – الأنفال (42).  

2 المائدة (35).

3 – انظر الجامع لأحكام القرآن (4/566) ط: دار الكتب العلمية بيروت – لبنان. الطبعة الأولى (1412هـ).

4 المائدة(35).

5 – التوسل والوسيلة لابن تيمية صـ ( 5). مكتبة دار البيان – دمشق. الطبعة الأولى (1405 هـ). تحقيق عبد القادر الأناؤوط.

6 الأعراف(180).

7 – رواه النسائي والحاكم وصححه. وأصله في البخاري ومسلم كما في حديث جابر في دعاء الاستخارة.

8 –  رواه أبو داود والنسائي وأحمد. وصححه الألباني في صحيح أبن داود رقم (869).

9 – رواه أحمد وصحح إسناده الألباني في الصحيحة ( 199)..

10  – التوسل والوسيلة صـ (70).

11 آل عمران (16) .

12 -آل عمران(193). 

13 آل عمران(53).

14 – رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة رقم (3111).

15 –  رواه البخاري ومسلم.

16 – رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

17 – رواه البخاري .

18 – التوسل والوسيلة صـ (56).

19 – المصدر السابق صـ (50).

20 الزمر(3).

21 – التوسل والوسيلة صـ (176).

22 –  المصدر السابق.