عمل المرأة

حكم عمل المرأة

 

حكم عمل المرأة

 

إن الحمد لله نحمده،ونستعينه، ونستهديه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران: 102.

 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} النساء: 1.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} الأحزاب: 70-71.

أما بعد:

 فإن أحسن الكلام كلام الله -عز وجل-,وخير الهدي هدي محمد-صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد:

فإن المرأة شقيقة الرجل وأخته،وحياتها مع الرجل في الدنيا حياة مشتركة، بحيث يواجهان ظروف الحياة ويتعاونان على ما يصلحهما.

والشريعة الإسلامية لا تمنع أحداً من العمل والتكسب،ولا تقف حجر عثرة أمام الناس وتكلفهم بما لا يستطيعون،ولكنها تضع الحدود والضوابط التي تلائم وتُفيد المجتمعَ وأفراده.

والإسلام قد قسَّم الأدوارَ بين المرأةِ والرجل تقسيماً عادلاً فريداً؛ لبناء أسرة سليمة، ومجتمع متوازن، فالرجل هو المسؤول عن نفقة أفراد أسرته وتأمين احتياجاتها, فهو يتولى شؤون المنزل الخارجية، ويقع على المرأة مسؤولية العناية بالبيت، والزوج والأولاد، وتوفير الراحة والحنان وتربية الأولاد.

والإسلام قد كفل جميع حقوق المرأة،وجعلها مُعزَّزة مُكرَّمة منذ أن تولد وحتى تموت فهي تنعم بالحياة السعيد في ظله، فقد جعل محارمها هم الذي يقومون بالنفقة عليها؛ فإن كانت بنتاً فواجب على أبيها أن ينفق عليها ويُعطيها ما يسدُّ حاجتها،وإذا لم يُوجد الأبُ فالأخ، وبعد زواجها فالواجبُ على زوجِها أنْ يتولَّى رعايتها والنفقة عليها والقيام على ما يصلحها،وإذا مات الزوج ولها ابن فابنها هو الذي يجب عليه القيام بحقها، فهي إذاً مكفولة منذ أن تولد وحتى تموت، وإذا انعدم هؤلاء -وهذا في النادر- فلها حق في بيت مال المسلمين، فإذا لم تعط من بيت مال المسلمين وجب على من عرف حالها من المسلمين أن يتعاون معها, وهذا واجب كفائي إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين.

ولكن إذا دعت الحاجة المرأة للعمل خارج بيتها، أو احتاج المجتمع لخروجها، فعنئذٍ ينبغي لمن تؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً أن تتقيد بأحكام الشرع حتى يكون خروجُها للعمل خُرُوجاً شرعيَّاً يكافئها اللهُ عليه بالثَّواب في الآخرة مع ما تأخذ في الدنيا من أجرة.

ولابد من أن تلتزم المرأة الشروط التالية عند خروجها للعمل:

أولاً: أن يكون العمل مُباحاً: فلا يجوزُ لها أن تعمل عملاً فيه محذورٌ شرعيٌّ لأنَّ خروجَها ما هو إلا للمنفعة وليس للمضرة واكتساب الآثام، فإذا كانت هناك منفعة مُباحة فيجوز الخروج لها، أما إذا كانت هذه المنفعة غير شرعية فلا يجوز خروجها، وكذلك أصل العمل إذا كان مباحاً جاز وإلا فلا. إذاً فحكم خروج المرأة للعمل دائر في نطاق المباح, ومن أمثلة الأعمال المباحة: التعليم والطب والتمريض والحسبة شريطة أن يكون ذلك في وسط بنات جنسها.

ثانياً: إذن الزوج أو الولي: لابد للزوجة من إذن زوجها لخروجها إلى العمل المباح؛لأنه مسئولٌ عنها أمام الله-تعالى-،وكذلك فإنَّ غير المتزوجة لابد لها من إذن وليها لأنه راع ومسئول عنها أمام الله -تعالى-.

ثالثاً: عدم التفريط في حق الزوج أو الأولاد: فإن الفقهاء قد اشترطوا لخروج المرأة للعمل المباح ألا تفرط في حق زوجها وأولادها؛ لأن حق زوجها واجبٌ عليها ورعاية أولادها أهم من الخروج للعمل، فيجب على المرأة أنْ لا تقدم على حقِّ الزوج والأولاد عَمَلاً آخر.

رابعاً: ملائمة العمل لطبيعة المرأة: ينبغي في العمل الذي تعمله المرأة أن يكون موافقاً لطبيعتها التي خلقها الله عليها،فإن الله -عز وجل- قد اقتضت حكمتُهُ أنْ تختلف طبيعة المرأة عن طبيعة الرجل،وقد جاء الطب الحديث وعلم وظائف الأعضاء ليشير إلى هذه الاختلافات بين الرجل والمرأة حتى إن هذا أصبح مُسلَّماً به ولا ينكره إلا مكابرٌ.

وعليه فإنَّهُ لا ينبغي للمرأة أنْ تعمل الأعمال التي تختصُّ بالرجال، أو التي لا تتوافق مع طبيعتها.

خامساً: الالتزام باللباس الشرعي: فقد اشترط الفقهاء على المرأة للخروج من بيتها أن تلتزم باللباس الشرعي الذي يغطي جميع بدنها، ولا يكون لباسها لباس زينة، وألا يشبه لباس الرجال، وألا يشبه لباس الكافرات، وأن يكون غليظاً واسعاً.

سادساً: ألا تمس طيباً أو عطراً: فلا يجوز للمرأة أن تتطيب أو تتبخر ثم تخرج من بيتها لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عند ذلك فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة)(1).وفي رواية أن أبا هريرة -رضي الله عنه- لقي امرأة متطيبة تريد المسجد، فقال لها: يا أمة الجبار أين تريدين؟ قالت: المسجد، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى المسجد لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل)(2).

فالحديثُ دالٌّ على أنه لا يجوزُ للمرأةِ المتطيبة أنْ تخرج للمسجد وهي بهذا الحال فكيف بخروجها إلى ما هو دون المسجد فالحرمة فيه أشد.

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أيما امرأة استعطرت ثم مرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية)(3).

فالحديث دل على تحريم خروج المرأة من بيتها أمام الرجال وهي متعطرة؛ لأن خروجها بهذه الحالة سبب في وقوع الرجال في الفتنة والمعصية. إذاً فخروجها متعطرة أو متطيبة لا يجوز.  

سابعاً: الاعتدال في المشي: فتمشي المرأة مشية معتدلة ليس فيها تثني أو تكسر كما هو الواقع اليوم في بنات المسلمين الآتي يخرجن وقد لبسن الأحذية المرتفعة التي تساعدهن على التكسر في المشي والتغنج,ولا حول ولا قوة إلا بالله،فيجب على المرأة أن تكون مشيتها معتدلة؛لأنَّ الله –تعالى-يقول:{ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}, قال قتادة: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج، فنهى الله -تعالى- عن ذلك(4).

ثامناً: أمن الفتنة: يشترط لخروج المرأة من بيتها للعمل ولغيره أمن الفتنة في الطريق وفي مكان العمل بحيث يُؤمن من فتنتها أو الافتتان بها، فإذا كان يُخشى أن يفتتن بها الرجال الأجانب، أو يُخشى عليها أن تُفتن بهم، فإنَّهُ لا يجوز لها الخروجُ في تلك الحالةِ.

تاسعاً: عدم الخلوة أو الاختلاط بالرجال: يشترط لخروج المرأة للعمل ألا يكون في عملها خلوة برجل أجنبي، وألا يكون هناك اختلاط بالرجال(5)، لأن الخلوة سبيل لشيطان، وهي من دواعي الوقوع في الفاحشة، وقد حذَّر منها النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-فقال: (لا يخلون رجل بامرأة)(6).

أما إذا كان في هذا العمل اختلاط بالرجال أو الخلوة بهم فلا يجوز ذلك، يقول العلامة ابن باز -رحمة الله-: (والأدلة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية، وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدِّي إلى ما لا تُحمد عُقْباه، منها قوله-تعالى-:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}الأحزاب: 33-34،  وقال-تعالى-:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}الأحزاب: 59، وقال الله-جل وعلا-: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ …} الآية النور: 30-31.

وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}الأحزاب: 53، وقال-صلى الله عليه وسلم-:(إياكم والدخول على النساء) يعني الأجنبيات، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت)(7)، ونهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق. وقال: (إن ثالثهما الشيطان)(8), وعن السفر إلا مع ذي محرم(9) سداً لذريعة الفساد, وإغلاقاً لباب الإثم،وحسماً لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان… إلى أن قال: وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب الابتعاد عن الاختلاط المؤدِّي إلى الفسادِ وتقويض الأسر وخراب المجتمعات التي سبقت إلى هذا الأمر الخطير)(10).

نسأل الله أن يوفقنا للخير ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد بن عبد الله الصادق الأمين،وعلى آله وصحبه والتابعين,ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أمَّا بعدُ :

فقد ذكرنا الشروط والضوابط الشرعية لخروج المرأة للعمل، ولكن ما مجالات العمل المسموح بها للمرأة المسلمة؟.

فلعل خير عمل تعمل به المرأة هي رعاية بيتها، وأولادها وزوجها،كما يمكن أن تعمل في هذه المجالات ضمن الضوابط التي ذكرت سابقاً:

1- في مجال الدعوة إلى الله –تعالى-:

كداعيات ومعلمات يعلمن النساء أحكام الشريعة الإسلامية بكافة أصولها، وفروعها في المدارس، والمعاهد والجامعات وللحصول على أعلى الشهادات العلمية والتعليمية.

2- مجال العلم،والتعليم العام: كأن تعمل مدرسة للبنات, فتعلمهن كافة علوم العصر الحديثة التي يحتجن إليها في حياتهن لأجل مجتمعهن مع مراعاة الضوابط الشرعية.

3- في التطبيب: لمعالجة وتطبيب النساء من الأمراض، والحمل والولادة وغيرها.

4- في مجال الشؤون البيتية: كأن تعمل في خياطة وتفصيل الملابس النسائية والولادة، وغيرها من المهارات اليدوية المشابهة.

أما غيرها من الأعمال التي فيها ضرر عليها فلا يجوز لها أن تعمل فيها، وما ذكر من الأعمال فيها كفاية لها، وهي الأليق بها.

إذاً نقول: أليس من الشطط أن يمجد عمل المرأة خارج هذه الضوابط الشرعية من أجل تقليد الغربيات اللواتي لم يحققن من خروجهن عن التعاليم الربانية إلا الخراب للبيوت الآمنة, فانحلت الأخلاق، وفسد المجتمع وشرد كثير من الأطفال مما ولد مشاكل عظيمة لدى الحكومات والدول، ومن نهج نهجها في أسلوب حياتها: في معالجة البطالة وأطفال الزنى، والأمراض الجنسية الخطيرة: كالإيدز وغيرها ورصدت لذلك مئات الملايين من الدولارات ودون جدوى.

نسأل الله أن يحفظ نساءنا,وأن يقيهن شر الأشرار،ويجعلهن صالحات مصلحات،اللهم وفقنا لكل خير وابعد عنا كل شر،وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أنَّ الحمد لله رب العالمين.  

 


 


1 – رواه مسلم.

2 – رواه ابن ماجه في سننه، وقال الألباني: حسن صحيح، انظر صحيح سنن ابن ماجه (2/367).

 

3 – رواه الترمذي والنسائي وأبو داود، وقال الترمذي حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (ص 69).

4 – تفسير الطبري (22/4).

5 – راجع: مقالاً لأيمن سامي حول ضوابط خروج المراة للعمل، في موقع الفقه الإسلامي (www.alfeqh.com).

6 – متفق عليه.

7 – متفق عليه.

8 – صحيح ابن حبان (10/436)

9 – متفق عليه.

10 – نقلاً من موقع ابن باز حول عمل المرأة.