زكاة النقدين

زكاة النقدين

 

زكاة النقدين

 

          الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد:

فقد شرع الله – عز وجل – الزكاة طهرة للأموال، ونماء وزيادة لها، ورفقاً بالمساكين والمحتاجين، ونظراً لمصلحة الأمة الكبرى من القيام بأمور الدولة الإسلامية وما تحتاجه من نفقات مختلفة على الجوانب العسكرية والاجتماعية. وأصناف الزكاة عديدة، ومن ذلك زكاة النقدين: الذهب والفضة وما يقوم مقامها.

وأصل النقد لغة: الإعطاء، ثم أطلق النقد على المنقود من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول1.

 

حكم إخراج الزكاة منهما:

الزكاة فيهما واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله – تعالى – : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (التوبة: من الآية34). وأما السنة: فما جاء عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار…)2. قال النووي في شرحه لهذا الحديث: الحديث صريح في وجوب الزكاة في الذهب والفضة ولا خلاف فيه3.

وأجمع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهم وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً وقيمته مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه4.

 

شروط إخراج الزكاة:

–       حول الحول على المال، أي أن يمر عليه عام كامل.

–       إتمام النصاب: ونصاب الفضة مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون مثقالاً بالإجماع5.

فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)6. والأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء على الأشهر أربعون درهمًا بالنصوص المشهورة والإجماع7. وقد جاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: (ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة)8.

 

مقدار ما يخرج:

مقدار ما يخرج منهما ربع العشر، قال ابن قدامة: إذا تمت الفضة مائتين والدنانير عشرين فالواجب فيها ربع عشرها، ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن زكاة الذهب والفضة ربع عشره9.

زكاة الحلي:

إن كان في الحلي جوهر ولآلئ مرصعة فالزكاة في الحلي من الذهب والفضة دون الجوهر؛ لأنها لا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم10، أما الحليُّ الذي هو ذهب أو فضة فمنه ما هو مباح كمثل ما أحل الله للنساء مثلاً، ومنه ما هو محرم كمثل أن يكون في إسراف أو يمتلكه من لا يحل تملكه كالرجل، أم الحلي المحرم فقد اتفقوا على وجوب الزكاة فيه، وأما المباح فقد جرى الخلاف بين أهل العلم على ما يأتي:

 

أولاً: عند الحنفية:

الزكاة واجبة في الحلي سواء كان للرجال أو للنساء تبرًا كان أو سبيكة، آنية كان أو غيرها ويعتبر في زكاته الوزن لا القيمة11.

 

ثانياً عند المالكية:

–       الحلي المباح كالسوار للمرأة وقبضة السيف المعد للجهاد، والسن والأنف للرجل لا زكاة فيه إلا في الأحوال الآتية:

أولاً: أن يتكسر بحيث لا يرجى عوده إلى ما كان عليه إلا بسبكه مرة أخرى.

ثانياً: أن يتكسر بحيث يمكن عوده بدون السبك مرة أخرى ولكن لم ينوِ مالكه إصلاحه.

ثالثًا: أن يكون معدًّا لنوائب الدهر وحوادثه لا للاستعمال.

رابعًا: أن يكون معدًّا لمن سيوجد له من مالك من زوجة وبنت مثلاً.

خامساً: أن يكون معدًّا لصداق من يريد أن يتزوجها أو يزوجها لولده.

سادسًا: أن ينوي به التجارة ففي جميع هذه الأحوال تجب فيه الزكاة.

–       وأما الحلي المحرم: كالأواني والمرود والمكحلة فتجب فيه الزكاة بلا تفصيل والمعتبر في زكاة الحلي الوزن لا القيمة.

 

ثالثاً الشافعية:

–   الحلي المباح الذي حال عليه الحول مع مالكه العالم به لا تجب الزكاة فيه، أما إذا لم يعلم بملكه كأن يرث حليًّا يبلغ نصابًا ومضى عليه الحول بدون أن يعلم بانتقال الملك إليه فإنه تجب زكاته.

–   الحلي المحرم: كالذهب للرجل فإنه تجب فيه الزكاة ومثله حلي المرأة إذا كان فيه إسراف كخلخال المرأة إذا بلغ مائتي مثقال، فإنه تجب فيه الزكاة أيضًا كما تجب في آنية الذهب والفضة ويعتبر في زكاة الحلي الوزن دون القيمة وإذا انكسر الحلي لم تجب زكاته إذا قصد إصلاحه، وكان إصلاحه ممكنا بلا صياغة، وإلا بأن لم يقصد إصلاحه أو كان إصلاحه غير ممكن وجبت.12.

 

رابعاً الحنابلة:

–       الحلي المباح المعدُّ للاستعمال أو الإعارة لمن يباح له استعماله لا زكاة فيه.

–   الحلي المباح إذا كان غير معدٍّ للاستعمال تجب زكاته إذا بلغ النصاب من جهة الوزن، فإذا بلغ النصاب من جهة القيمة دون الوزن فلا تجب فيه الزكاة.

–       الحلي المحرم تجب فيه الزكاة كما تجب في آنية الذهب والفضة البالغة نصاباً وزنًا.

–   الحلي المنكسر إن أمكن لبسه مع الكسر فهو كالصحيح لا تجب فيه الزكاة، وإن لم يمكن لبسه فإن كان يحتاج في إصلاحه إلى صوغ وجبت فيه الزكاة، وإن لم يحتج إلى صوغ ونوى إصلاحه فلا زكاة فيه13،14.

 

من كان معه ذهب وفضة هل يضم بعضها إلى بعض ليكمل النصاب؟

–   تضم الدراهم إلى الدنانير فإذا كمل من مجموعهما نصاب وجبت فيه الزكاة وذلك لجامع بينهما وهو أنهما رءوس الأموال وقيم المتلفات فكأنهما جنس واحد، وهذا قول مالك وأبي حنيفة وجماعة، و(لأن المقصود منهما جميعًا الثمنية والتوسل بها إلى المقاصد، وهما يشتركان فيه على السواء فأشبه إخراج المكسرة عن الصحاح بخلاف سائر الأجناس والأنواع مما تجب فيه الزكاة فان لكل جنس مقصودًا مختصًا به لا يحصل من الجنس الآخر)15.

–   لا يضم ذهب إلى فضة، ولا فضة إلى ذهب؛ لأن كل واحد منهما يجب فيه الزكاة لعينه وحجة هذا القول أنه اختلف النصاب فيهما، فهما جنسان لا يضم أحدهما إلى الآخر كالحال في البقر والغنم. وهذا قال به الشافعي وأبو ثور وداود16.

 

مسألة مفيدة في تحديد الأنصبة بوزن الجرام، وحكم الأوراق النقدية في الوقت الحاضر:

صدر في فتاوى اللجنة الدائمة الفتوى رقم: (3485):

(المحرر عندنا أن نصاب الذهب الذي تجب فيه الزكاة عشرون مثقالاً، ومقدار ذلك بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع جنيه).

 

وفي الفتوى رقم: (5522):

(نصاب الذهب بالجرام الحالي المعمول به الآن: واحد وتسعون جراماً وثلاثة أسباع جرام).

وفي الفتوى رقم: (1881):

(ونصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً وهي مائتا درهم من الدراهم الموجودة في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم – وهي تساوي ستة وخمسين ريالاً سعودياً فضياً).

 

وفي الفتوى رقم: (9564):

(لا حرج في إخراج زكاة الذهب والفضة عملة ورقية بما تساوي وقت تمام الحول لاشتراكها جميعاً في الثمنية).

وفي الفتوى رقم: (9990): في النقود الورقية:

الزكاة تجب في أرصدة الغرفة إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول؛ لأنها أموال مملوكة لأصحابها ممن تجب عليهم الزكاة، وتخدم مصالحهم التجارية، فوجب إخراج زكاتها والواجب إخراج ربع العشر بواقع اثنين ونصف في المائة 2.5%.

 

وفي الفتوى رقم: (6427):

صدر سؤال ما نصه: (ما الحكم في زكاة النقود؟ حيث أن المبالغ التي لدينا عملة ورقية، أي سندات كما هو مكتوب في أعلا كل فئة، وهل نزكي باعتبارها الحالي، أو تحول إلى ذهب أو فضة ثم تزكى حسب أسعارها في السوق بموجب الأحكام الشرعية؟.

فأجاب فضيلة العلماء على السائل بأنه: (إذا كان الواقع كما ذكرت وجب عليك أن تخرج ربع عشر ما تملك من الأوراق النقدية ورقاً نقدياً، سواء كان رصيدها ذهباً أم فضة، وذلك إذا كان ما تملكه نصاباً، وهو ما يعادل مائة وأربعين مثقالاً من الفضة أو عشرين مثقالاً من الذهب، وحال عليه الحول).

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

 


 


1 –  مغني المحتاج: (1/389).

2 –  صحيح مسلم: (2/680).

3 –  شرح النووي على مسلم: (7/64).

4 –  المغني: (2/596).

5 –  مغني المحتاج: (1/389).

6 –  صحيح البخاري: (2/529برقم: 1390)، وصحيح مسلم: (2/675برقم: 980).

7 –  مغني المحتاج: (1/389).

8  – رواه أبو عبيد، وقال الألباني: (صحيح) انظر: مختصر إرواء الغليل: (1/156برقم: 815).

9 –  المغني: (2/600).

10 –  المغني: (2/606).

11 –  انظر: بدائع الصنائع: (2/101).

12 –  انظر: مغني المحتاج:(1/389).

13 –  المغني: (2/603).

14 –  الفقه على المذاهب الأربعة: (1/970).

15 المغني: (2/601).

16 –  بداية المجتهد: (1/383).