صفة الجنة

صفة الجنة

الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده نُزلاً، ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها، فلم يتخذوا سواها شُغلاً، وسهَّل لهم طرقها، فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذُللاً، خلقها لهم قبل أن يخلقهم، وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم، وحجبها بالمكاره، وأخرجهم إلى دار الامتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه، وضرب مدة الحياة الفانية دونه أجلاً، وأودعها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى له طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له بالفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجةً للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، بعثه للإيمان منادياً، وإلى دار السلام داعياً، وللخليقة هادياً، ولكتابه تالياً، ولمرضاته ساعياً، وبالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهياً، فصلى الله عليه وملائكتُه، وأنبياؤه ورسله، وعباده المؤمنون عليه، كما وحَّد الله وعبده، وعرَّفنا به ودعا إليه1، أما بعد:

فإن الله لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا سدى وهملاً، بل خلقنا ليأمرنا وينهانا، فمن امتثل أمر الله، واجتنب نهيه، فاز بجنة عرضها الأرض والسماء، ومن خالف أمره وعصى كانت الجحيم هي المأوى.

لقد بيَّن الله لنا طريق أهل السعادة، ورغبنا فيها، وطريق أهل الشقاء، وحذرنا منها، وأخبر الناس فريقين لا ثالث لهما فقال تعالى: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ

2. وهو سبحانه يمتن ويتفضل على أوليائه بجنته، ويجازي ويعاقب أعدائه بناره ، ولا أفضل وأصدق وأجمع من وصف للجنة حتى كأننا نراهما رؤي عين، من وصف من خلقها بيده، فوصفها لنا – سبحانه وتعالى – فقال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ۝  فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝  فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ۝فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( ) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ مُدْهَامَّتَانِ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ۝ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (سورة الرحمن:49 –77)، وقال جل ذكره: مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ سورة الرعد:35، وقال تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ  (سورة محمد:  15وقال تعالى: إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ۝ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ۝ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ۝ عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ۝ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ۝ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ۝ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ۝ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ۝ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ  (سورة الصافات: 40-49)، وقال تعالى: وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ۝ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ۝ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ۝ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (سورة الطور:22-25)، وقال تعالى: وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً۝ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ۝ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ۝ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ۝ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ۝ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ۝ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ۝ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ۝ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ۝ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ۝ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ۝ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ۝ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ۝ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ۝ وَحُورٌ عِينٌ۝ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ۝ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ۝ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا ۝ إِلاَّ قِيلاً سَلامًا سَلامًا۝ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ۝  فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ۝ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ۝ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ۝ وَمَاء مَّسْكُوبٍ۝ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ۝ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ۝ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ۝ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء۝ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا۝ عُرُبًا أَتْرَابًا۝ لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ (سورة الواقعة:7-38) وقال: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ۝ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ۝ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ۝ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ۝ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ۝ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ۝ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ۝ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ۝ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (سورة المطففين: 18-28)، وقال تعالى: وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا۝ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا۝ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً۝ وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا۝ قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا۝ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً۝ عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً۝ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ خَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا۝ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (سورة الإنسان:12-20)، وغيرها من الآيات التي يأتي ذكرها إن شاء الله. 

فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم

فقد وصف الله الجنة على لسان رسوله – وهو المبلغ عن ربه – على سبيل الإجمال ، مبيناً أنه جل شأنه قد أعدَّ لعباده الصالحين من النعيم ما لم تره عيونهم، وما لم تسمع عنه آذانهم، وما لم يخطر على بالهم من قبل؛ فعن أبي هريرة  أن النبي قال: قال الله – تعالى -: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم : فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 3 .

وأخبر أنها في السماء قال تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى۝ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى۝ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى4.

وقد تعددت أسماؤها في الكتاب والسنة فهي: الجنة، وهي دار السلام، ودار الخلد، ودار المقامة، وجنة المأوى، وجنات عدن، ودار الحيوان، والفردوس، وجنات النعيم، والمقام الأمين، ومقعد صدق، وقدم صدق5.

ووصف لنا تربتها وطينتها، وحصباؤها وبنائها فعن أبي هريرة  قال: قلنا: يا رسول الله! حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران؛ من يدخلها ينعم ولا ييأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه 6. ووصف لنا غرفها عن أبي مالك الأشعري أن النبي قال: إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام7. ووصف لنا درجاتها؛ فعن أبي هريرة أن النبي قال: إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن8.

ووصف لنا أبوابها، وسعتها، وعَدَدَهَا؛ فقال تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ9، وعن سهل بن سعد  أن النبي  قال: في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون 10، ووصف لنا سعة تلك الأبواب؛ فعن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله  قال: توفون سبعون أمة أنتم آخرها، وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ11. ووصف لنا  أهلها وما هم عليه من الجمال والحُسن فعن أبي هريرة  أن النبي  قال: إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل، لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يبصقون، أمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوَّة، ورشحهم المسك، أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعاً12، وفي رواية: لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً. ووصف لنا آنيتهم التي يأكلون بها فقال تعالى: يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 13 . ووصف لنا لباس أهلها فقال تعالى: أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا 14، وقال تعالى: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا 15، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ16، وقال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ17. وعدد لنا أنهارها، ووصف لنا ماؤها فقال تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ 18، وقال تعالى: لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً۝ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ۝ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ۝ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ۝ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ۝ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ 19.

ووصف لنا أشجارها، وبساتينها، وحدائقها فقال تعالى: فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ۝ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ۝ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ۝ وَمَاء مَّسْكُوبٍ۝ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ 20، وقال تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا۝ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا21، وقال تعالى: وَحَدَائِقَ غُلْبًا22، وعن أبي سعيد الخدري  عن النبي  قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مئة عام ما يقطعها 23.

ووصف لنا سوقها فعن أنس  أن النبي قال: إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم فيقولون لهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً24. ووصف لنا حورها فقال تعالى: كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ25، وقال تعالى: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ بْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ۝ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ كََأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ26، وقال تعالى: فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ۝ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ۝ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ27، وقال تعالى: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء۝ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا۝ عُرُبًا أَتْرَابًا۝ لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ 28 وعن أنس  أن النبي قال: لَقابُ قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها (يعني الخمار) خير من الدنيا وما فيها29. ووصف لنا خُدَّام أهلها فقال تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا 30.

وبين لنا أن أعظم لذة فيها على الإطلاق هي النظر إلى وجه الله الكريم قال الله تعالى: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 31، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم كما ثبت ذلك، وعن صهيب  أن النبي  قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثَّقل موازيننا؟ ويبيَّض وجوهنا؟ ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إليه، ولا أقرَّ لأعينهم منه32.

اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم .. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


1– من مقدمة حادي الأرواح لابن القيم صـ (23 – 24) بتصرف.

2– الشورى (7).

3– السجدة (17). والحديث متفق عليه.

4النجم ( 13- 15).

5– انظر حادي الأرواح لابن القيم صـ (131 – 138)، مؤسسة الرسالة. توزيع مكتبة العلم – جدة لطبعة الأولى. ( 1412هـ).

6رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني في الصحيحة رقم ( 1086).بلفظ : من يدخل الجنة ينعم لا ييأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه .

7رواه أحمد والطبراني.

8رواه البخاري.

9ص (50)

10متفق عليه.

11رواه أحمد، والحديث صححه الألباني في الصحيحة رقم (1698) بلفظ: إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة.

12رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ.

13الزخرف (71).

14الكهف (31).

15الإنسان (21)

16الحج (23).

17فاطر (33).

18محمد (15).

19الغاشية (10 – 16).

20 الواقعة (28- 33).

21النبأ (32 – 31).

22عبس (30).

23رواه البخاري ومسلم.

24رواه مسلم.

25الدخان (54).

26الرحمن (56 – 58).

27الرحمن (70 – 72).

28الواقعة (35 – 38).

29رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

30الإنسان (19).

31يونس (26).

32رواه مسلم.