الثبات على دين الله

 

 

 

 

الثبــات على دين الله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

أما بعد:

فإن الثبات على دين الله ​​​​​​​ ، وعدم الانحراف عنه يمنياً وشمالاً، والوقوف مع الشرع وتحكيمه هو النجاة في الدنيا والآخرة، وهو السعادة الطيبة، والهدف المنشود لتوفيق الله ​​​​​​​  إلى الجنة والنجاة من النار.

ما معنى الثبات؟

الثبات لغةً: مصدر ثبت وهو مأخوذ من مادة (ث،ب،ت) التي تدل على دوام الشيء، يقال ثبت ثباتاً وثبوتاً: (أي دام واستقر) فهو ثابت.

قال الراغب -رحمه الله-: الثبات ضد الزوال. ويقال تثبت الرجل في الأمر واستثبت بمعنى واحد هو التأني وعدم العجلة.1

الثبات اصطلاحاً: هو الدوام والاستقامة على الجادة ولزوم الصراط المستقيم من غير عوج ولا انحراف، وهو أيضاً: عدم احتمال الزوال بتشكيك المشكل والثبات على الحق حتى الممات.                                       

فوائد الثبات وأهميته:

1- دليل كمال الإيمان وحسن التوكل على الله- عز وجل-.

2- دليل قوة النفس ورباطة الجأش.

3- الثبات من السبل الهادية إلى الجنة.

4- في الثبات على الدين تأسٍ بالرسول الكريم  وصحابته الكرام  .

5- دليل على تمكن حب العقيدة والصبر عليها وعلى تكاليفها حتى الممات.

من الآيات الواردة في الثبات:

1- قال -تعالى-:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}سورة الفرقان 32.

2- وقال -تعالى-:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(النحل 102).

3- وقال -تعالى-:{وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً *إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}(73-74) سورة الإسراء.

4- وقال -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (45) سورة الأنفال.

5- وقال -تعالى-:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (66)سورة النساء.

6- قال -تعالى-:{يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء}(27) سورة إبراهيم.

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره:وقيل معنى (يثبت الله) يديمهم الله على القول الثابت, ومنه قول عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه-:

يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصرا

وقيل: يثبتهم في الدارين جزاء لهم على القول الثابت).2

من الأحاديث الواردة في الثبات:

1. عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- أنه قال: رأيت رسول الله  يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى  التراب بياض بطنه, وهو يقول: (لولا أنت ما اهتدينا ،ولا تصدقنا ولا صلينا ،فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا،إن الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا).3

2- عن النواس بن سمعان الكلابي   قال: سمعت رسول الله   يقول: (ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه). وكان رسول الله   يقول: (يامثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك).4

3- عن البراء بن عازب   قال: قال النبي  : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَفِي الْآَخِرَةِ) قال: نزلت في عذاب القبر يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وديني دين محمد -صلى الله عليه وسلم-، فذلك قوله، الآية..).5

 4- عن عبادة بن الصامت   قال: بايعنا رسول الله على السمع والطاعة, في عسرنا ويسرنا, ومنشطنا ومكرهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنا، لا نخاف في الله لومة لائم).6

5- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم   حين ألقي في النار، وقالها محمد   حين قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران /173.7

المثل التطبيقي من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الثبات:

1. عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان رسول الله   إذا عمل عملاً أثبته. وكان إذا نام من الليل, أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. قالت:وما رأيت رسول الله   قام ليلة حتى الصباح, وما صام شهراًمتتابعاً إلا رمضان).8

2.  عن أبي إسحاق أنه قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولى رسول الله   ولكنه خرج شبّان أصحابه وأخفاؤهم حُسَّراً ليس عليهم سلاح، أو كبير سلاح، فلقوا قوماً رماة لا يكاد يسقط لهم سهم،جمع هوازن وبني نضر، فرشقوهم رشقاً ما يكادون يخطئون، فاقبلوا هناك إلى رسول الله  , ورسول الله   على بغلته البيضاء. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به, فنزل فاستنصر وقال: (أناالنبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) ثم صفهم..9

من الآثار وأقوال العلماء الواردة في الثبات:

1- عن خباب بن الأرت   قال: كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد. قال فقلت له: إني لن أكفر بمحمد حتى تموت، ثم تبعث) قال: وإني لمبعوث من بعد الموت فسوق أقضيك إذا رجعت إلى مالٍ وولد!!. فنزلت هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}(77) سورة مريم.10

2- قال  الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: (السنة -والذي لا إله إلا هو- بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك-إن شاء الله- فكونوا).11

3- وقال أبو حاتم البستي: الصبر على ضروب ثلاثة: فالصبر عن المعاصي، والصبر على الطاعات، والصبر عند الشدائد والمصيبات. فأفضلها: الصبر عن المعاصي.

        فالعاقل يدبر أحواله بالتثبت عند الأحوال الثلاثة التي ذكرناها بلزوم الصبر على المراتب التي وضعناها قبل، حتى يرتقي بها إلى درجة الرضا عن الله -جل وعلا-، في حال العسر واليسر معاً، نسأل الله  الوصول إلى تلك الدرجة بمنه).12.13

نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الإسلام، وأن يصبرنا على طاعته وعن معاصيه وعن أقداره إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

  


1 -(مفردات الراغب(78) (بتصرف) و(الصحاح(1/245).

 2 -تفسير القرطبي (9/238).

3 -رواه البخاري ومسلم.

4 – رواه ابن ماجه. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (165).

5 – (إبراهيم 27) ، رواه النسائي (3/101 – 210) وقال الألباني: صحيح (2/442).

6 – رواه البخاري ومسلم.

7 – رواه البخاري.

8– رواه مسلم.

9 – رواه البخاري ومسلم.

10– رواه مسلم.

11 – إغاثة اللهفان (1/70).

12 -(انظر روضة العقلاء ونزهة الفضلاء للحافظ أبي حاتم البستي ص 273 – 275).

13 – انظر (نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم 4/1437 الثبات). إعداد: مجموعة من المختصين. إشراف الشيخ: صالح بن حميد وعبدالرحمن بن ملوح) بتصرف.