التبكير بالعمامة والسجادة

حجز مكان في المسجد

التبكير بالعمامة والسجادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله:

لا يشك عارف بكتاب الله وسنة نبيه أن ما يفعله بعض المسلمين في المساجد من حجز أمكنة لهم في الصفوف الأولى، أو أي بقعة من المسجد، لأداء العبادة فيها؛ أن ذلك من الأمور التي نهى عنها النبي – صلى الله عليه وسلم- ولم تكن معروفة في زمن السلف الصالح، الذين كانوا أحرص الناس على الصف الأول، وعلى تكبيرة الإحرام، وما لم يفعله السلف الصالح مع وجود المقتضي وعدم المانع، فهو بدعة، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قال:” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ” رواه البخاري ومسلم.

وما عسى أن ينفعك أيها الحاجز للمكان في المسجد بقطعة قماش أو سجادة، أو ما أشبه ذلك، وأنت مشتغل بدنياك، أو قابع في بيتك تسرح وتمرح مع أهلك وأولادك، أو جالس مع  أصدقائك وأقرانك تتحدث معهم وعن عملك ووظيفتك؟!.

 لا شك أنه لا ينفعك ذلك شيئاً، بل الذي ينفعك هو التبكير إلى المسجد وبقاؤك فيه؛ كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟” قالوا: بلى يا رسول الله! قال:” إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط“.رواه مسلم  

ثم إن في حجزك مكاناً في المسجد عدة مفاسد، منها:

1- تخطي رقاب الناس، وذلك بعد عودتك من بيتك أو من شغلك وحاجتك.

2- اغتصاب المكان الذي من سبق إليه فهو أولى به، وأنت سبقت بثوبك ولم تسبق بجسمك!.

3-  مخالفة ما كان عليه السلف الصالح – رضوان الله عليهم- فإنهم لم يؤثر عنهم فعل ذلك.

4- أن في حجز المكان في المسجد منظراً غير لائق، وذلك لو أن الصف الأول مثلاً محجوز بقطع القماش، وما أشبه ذلك، ثم يأتي الناس فيجلسون في الصف الثاني، فهذا لا يليق ببيوت الله.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عمن يحتجز موضعاً من المسجد بسجادة أو بساط و غير ذلك هل هو حرام؟ وإذا صلّى إنسان في ذلك المكان بغير أذن مالكه هل يكره أم لا؟.

فأجاب: ليس لأحد أن يحتجز من المسجد شيئاً، لا سجادة يفرشها قبل حضوره، ولا بساطاً ولا غير ذلك، وليس لغيره أن يصلي عليها بغير إذنه، لكن يرفعها ويصلي مكانها في أصح قولي العلماء، والله أعلم1.

وقال أيضاً: وأما ما يفعله كثير من الناس من تقديم مفارش إلى المسجد يوم الجمعة أو غيرها، قبل ذهابهم إلى المسجد؛ فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين بل هو حرام، وهل تصح صلاته بذلك المفروش؟ فيه قولان للعلماء؛ لأنه غصب بقعة في المسجد بفرش ذلك المفروش فيها. ومنع غيره من المصلين الذين يسبقونه إلى المسجد أن يصلي في ذلك المكان.

 ثم قال: والمشروع في المسجد أن الناس يتمون الصف الأول، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟” قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال:” يتمون الصف الأول فالأول، ويتراصون في الصفوف ” رواه مسلم وأحمد… والمأمور به أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد، فإذا قدم المفروش وتأخر هو فقد خالف الشريعة من وجهين: من جهة تأخره، فهو مأمور بالتقدم. ومن جهة غصبه لطائفة في المسجد، ومنع السابقين إلى المسجد إن يصلوا فيه، وأن يتموا الصف الأول فالأول.

تم إنه يتخطى الناس إذا حضروا… قال النبي – صلى الله عليه وسلم-  لرجل: “اجلس فقد آذيت 2.

ثم إذا فرش هذا، فهل لمن سبقه إلى المسجد أن يرفع ذلك ويصلي موضعه؟ فيه قولان:

أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه. والثاني: وهو الصحيح أن لغيره رفعه والصلاة مكانه؛ لأن هذا السابق يستحق الصلاة في ذلك الصف المقدم، وهو مأمور بذلك أيضاً، وهو لا يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء هذا الحق إلا برفع ذلك المفروش، ووضعه هناك على وجه الغصب، وذلك منكر، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم..

لكن ينبغي أن يراعى في ذلك أن لا يؤول إلى منكر أعظم منه، والله –تعالى- أعلم، والحمد لله وحده3.

ولكن ينبغي أن يعلم أن ما سبق ذكره هو فيمن اتخذ ذلك عادة، وطال حجزه لذلك المكان.

أما إذا كان المصلي الحاجز من الحريصين على الصف الأول، ولم يطل حجزه لذلك المكان؛ كأن كان جالساً في الصف ثم حجز مكانه بثوب ثم ذهب ليتوضأ، أو حصل له ظرفٌ طارئ، فلا بأس من الحجز لما ذكرناه، وهو أحق بمكانه، وقد ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” الرجل أحق بمجلسه، وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه” رواه الترمذي وصححه الألباني.

وفي مسلم عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به“. فدلت هذه الأحاديث بعمومها على أن المصلي الذي يقوم من مجلسه لحاجة يسيرة كوضوء أو شرب، أوما أشبه ذلك، ثم يرجع إليه فإنه أحق بالمجلس من غيره.

وهل لصاحب المكان أن يقيم من جلس بمكانه في هذه الحالة؟ نعم له أن يقيم من جلس في مكانه بشرط أن لا يؤدي  ذلك إلى فتنة ومنكر أعظم، ولكن يجب على الجالس في مكان من سبق ولكنه خرج لحاجة يسيرة أن يقوم وجوباً كما نص على ذلك العلماء.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم

 


 


1 – مجموع الفتاوى 22/ 193.

2 رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع.

3 – مجموع الفتاوى 22/189.