الحوافز والمشجعات وأثرها

الحوافز والمشجعات وأثرها

الحوافز والمشجعات وأثرها

الحمد لله الذي رضي من عباده اليسير من العمل، وتجاوز عنهم الكثير من الزلل، وخص من شاء بهدايته وتوفيقه نعمة منه وفضلاً، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، رحمة العالمين، وقدوة العاملين، وحجة السالكين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:

سنتكلم في الدرس عن الحوافز وأهميتها في التربية.

الحوافز هي الأمور التي تدعو الإنسان إلى العمل، وإلى التضحية والبذل، وإلى المشاركة الفعالة، وهي من الوسائل المهمة في التربية.

بل المتتبع للآيات القرآنية والأحاديث النبوية يجد هذا الأسلوب واضحاً جلياً، فتجد الإخبار بالأجر والثواب للمؤمنين الطائعين.

{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (7-8) سورة الزلزلة.

وهذا من الحوافز، فالأجر عند الله على الأعمال الصالحة، والعقوبة على الأعمال السيئة.

 ويقول النبي  -صلى الله عليه وسلم-: (من صلّى علي صلاة صلّى الله عليه بها عشراً)1

والحسنة في الإسلام بعشر أمثالها، وكل هذا من التحفيز والتشجيع على الخير.

ويقول تبارك وتعالى: {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ} الرحمن:60.

والجهاد مثلاً لأن فيه فقدان للحياة وسيلان للدماء وإطاحة الرؤوس وعقر الجواد، تجد أن الشريعة جعلت للإنسان حوافز في الجهاد كبيرة. فبين الله -عز وجل- فضل الجهاد والمجاهدين، وما أُعد لهم في الآخرة حتى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

(إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجة والأخرى كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله)2 وأنت ترى أن هذا من أعظم الحوافز على الجهاد، بل هناك  أيضاً في الجهاد حوافز دنيوية عاجلة، كما كان يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزواته:

(من قتل قتيلاً فله سلبه)3 يعني أن له ما مع القتيل من سلاح وعتاد، وكانوا يعطون من الغنيمة من باب التحفيز لهم والتشجيع.

ولابد أن يكون في التربية حوافز، تدفع المتعلم على التعلم، حوافز للمبدعين وحوافز للمدرسين والمربين، وحوافز للمخترعين والمجتهدين، والباحثين. وحوافز لأصحاب الطاقات والمواهب.

فالأب الحريص على أن يحفظ ابنه القرآن لا بد أن يستخدم معه بعض الحوافز التي تشجعه على ذلك، سواءً كانت معنوية أو مادية، فلها في نفس الطفل أثر كبير. فإذا أحسن الابن في فعل شيء، أو تقدم في الخير، فينبغي أن يجد من الأب ما يدل على الرضا منه، وتشجيعه. 

وكثير من التربويين اليوم يشكون من عدم توفر الدافعية نحو التعلم عند الأبناء، ويواجه كثير من الآباء والأمهات مشكلة عدم وجود رغبة التعلم لدى الطلاب.

ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود الدافعية للتعلم والحفظ، فإن أي نشاط يقوم به الفرد لا يستمر دون وجود دافع، وليس بالضرورة دائماً أن تكون الحوافز مادية بل إن المدح والثواب له أثر إيجابي على التعلم وإتقانه وعلى الاندفاع إلى العمل.

"كما أن الذم والعقاب والتوبيخ قد يكف السلوك بشكل مؤقت دون أن يخلق سلوكاً ثابتاً، إضافة إلى ما ينتج عن ذلك من الشعور بالكراهية عند المتعلم للمادة والمعلم، وكذا حب واحترام الابن لوالديه، وبذا يقل إنتاجه وتقل سرعة تعلمه ويتأخر عن غيره ممن حظي بالمدح والثناء. ولكن يجب الحذر من الإسراف في المديح فقد يخلق ذلك عند المتعلم الشعور بالغرور والمبالغة في تقدير الذات، كما أنه يبعث على الفتور في الأداء ما لم يحظ بمزيد من الثناء، ولهذا يجب أن يكون المديح بالقدر الذي يدعم ويعزز السلوك وفق قدر مناسب"4.

والدوافع والحوافز بينهما فرق واضح وهناك من يخلط بينهما.

"فالدافع هو الشيء الذي ينبع من نفس الإنسان، ويخلق لديه الرغبة في العمل، أي قوة داخلية تدفعه للبحث عن هدف محدد، أما الحافز فهو شيء خارجي يجذب الفرد باعتباره وسيلة لإشباع حاجات إنسانية، وعليه كلما كانت عملية التوفيق بين الدوافع إلى العمل والحافز إلى العمل الموجود في التنظيم مكتملة، كلما كانت فاعلية الحافز في إثارة أنواع السلوك المطلوب أكبر"5.

فلا بد من أن يحرص الآباء والمربون على استخدام هذا الأسلوب القرآني والنبوي في التربية والتوجيه، حتى تكتمل تربية الأبناء، ولكي يجد الأبناء ما يشجعهم للتعلم وحفظ القرآن، وعمل الخير، والخلق الحسن. نسأل الله أن يصلح أبناءنا وذرياتنا.  

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 – صحيح مسلم – (ج 2 / ص 327 – 577)

2 – السنن الكبرى للبيهقي- (ج 9 / ص 159)

3 – صحيح البخاري – (ج 10 / ص 394 – 2909) وفي (ج 13 / ص 215 – 3978) وفي (ج 22 / ص 93 – 6635) وصحيح مسلم – (ج 9 / ص 195 – 3295)