فَضْلُ بَعْضِ سُوَرِ القُرْآن

فَضْلُ بَعْضِ سُوَرِ القُرْآن

فَضْلُ بَعْضِ سُوَرِ القُرْآن

الحمد لله الذي أنزل القرآن وشرفنا بحفظه وتلاوته، وتعبدنا بتدبره ودراسته وجعل ذلك من أعظم عبادته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دلت على وجوده المصنوعات، وشهدت بجماله وكماله وجلاله وعظمته الآيات البينات, وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله1. صلى الله عليه وسلم. أما بعد:

فإن الله امتن على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن أنزل عليه هذا الكتاب العظيم الذي: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) سورة فصلت. ففيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم, وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله, ولقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر في فضائل القرآن الكريم أحاديث كثيرة منها ما هو فيه بعامة، ومنها ما يخص بعض سوره الكريمة، وكل سوره كريمة ومنها ما يخص بعض آياته وكل آياته كريمة, فمما يعمه بالفضل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)2.

ولقد ورد في فضل بعض سوره أحاديث كفضل الفاتحة وأنها أعظم سورة, وسورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن الكريم, وغيرها مما ثبت بيان فضلها في النصوص الصحيحة, ونحن هنا نعرج على شيء يسير مما ورد في فضل بعض تلك السور, فنسأل الله أن يوفقنا وأن يجعلنا ممن علم فعمل, وعمل فقُبل. فنقول مستعينين بالله:

فضل الفاتحة والزهراوين:

سورة الفاتحة نور أوتيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يؤته نبي قبله, فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: (هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ). فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ: (هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ). فَسَلَّمَ وَقَالَ: (أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ, لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ)3.

ومما ثبت في بيان فضل سورة الفاتحة حديث أبي سعيد بن الْمُعلى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي, فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّكَ قُلْتَ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ! قَالَ: (نَعَمْ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)4.

ومن أجل فضيلتها كانت قراءتها ركناً في الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)5.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ –ثَلَاثًا- غَيْرُ تَمَامٍ) فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟! فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ”6.

ومن السور المعينة سورة البقرة وآل عمران؛ فعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ –رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ, أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا, اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ, وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ يعني السَّحَرَة)7.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ)8؛ وذلك لأن فيها آية الكرسي، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يُصْبِح9.

وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ, أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟) قَالَ: قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ, أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟) قَالَ: قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: (وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِر)10.

وفي سورة البقرة آيتان من قرأهما في ليلة كفتاه؛ كما جاء عن أبي مسعود –رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ)11.

فضل سورة الإخلاص والمعوذتين:

من السور المعينة في الفضيلة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) قَالُوا وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ).

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا, فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ, وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)12.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ). فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} سورة الإخلاص. ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ, ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)13. وليس معنى كونها تعدله في الفضيلة أنها تجزئ عنه، ولذلك لو قرأها في الصلاة ثلاث مرات لم تجزئه عن الفاتحة, ولا يلزم من كون الشيء معادلاً لغيره في الفضيلة أن يجزئ، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ)14. ومع ذلك فلو كان عليه أربع رقاب كفارة فقال هذا الذكر لم يُجْزِئه عن هذه الرقاب وإن كان يعادلها في الفضيلة.

ومما يدل على فضل سورة الإخلاص ما صح عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ, فَلَمَّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ). فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: “لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ, فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا” فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ)15.

ومن السور المعينة في الفضيلة سورتا المعوذتين {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}, و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ})16.

 وعنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلَا أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟ فَأَقْرَأَنِي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}, و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}, فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا, ثُمَّ مَرَّ بِي فَقَالَ: (كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ! اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَقُمْتَ)17.18

إخواني: اقرؤوا القرآن بتدبر وتفهم، وإذا مررتم بآية رحمة فاسألوا الله من فضله، وإذا مررتم بآية وعيد فتعوذوا بالله من عقابه، وليكن لكم من فضائل بعض الآيات والسور حظ ونصيب من الاهتمام والتكرار، فإن رحمة الله قريب من المحسنين.

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.

 

 


 


1 فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن لـ(الضباع المصري).

2 رواه البخاري -4639- (15/439).

3 رواه مسلم -1339- (4/234).

4 رواه البخاري -4280- (14/195) وأحمد -17177- (36/263) واللفظ لأحمد.

5 رواه البخاري -714- (3/204) ومسلم -595- (2/349).

6 رواه مسلم -598- (2/352).

7 رواه مسلم -1337- (4/231).

8 رواه مسلم -1300- (4/182).

9 رواه البخاري -3033- (11/53).

10 رواه مسلم -1343- (4/239).

11 رواه مسلم -1340- (4/235).

12 رواه البخاري -4627- (15/419).

13 رواه مسلم -1344- (4/241).

14 رواه مسلم -4859- (13/203).

15 رواه مسلم -1347- (4/244).

16 رواه مسلم -1348- (ج 4 / ص 246).

17 رواه النسائي -5342- (16/304) وأحمد -16658- (35/168) وحسَّن إسناده العلامة الألباني في تحقيق سنن النسائي برقم (5437).

18 راجع كتاب نزول القرآن الكريم والعناية به في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لـ(عبد الودود مقبول حنيف), وكتاب التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين. وكتابي الضياء اللامع و مجالس شهر رمضان لـ(ابن عثيمين).