كيف تقود حياتك بدون غضب

كيف تقود حياتك بدون غضب

كيف تقود حياتك بدون غضب

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله محمد, وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً, وبعد:

إن الغضب شعلة من نار تلظى تطلع على الأفئدة تحرق الوقار والسكينة وحسن السمت, فهو جدير بهدم البناء الخلقي؛ لأنه مدعاة إلى المقت والخذلان, وصفة ذميمة تعافها النفوس، وتشمئز منها القلوب، وتُمَزِّق التعاون والتآلف، وتنحدر بصاحبها إلى الهاوية؛ لأن الغضب طبع ذميم يشوبه الكبر والغطرسة, والعجب والغرور؛ فما إن يتمكن في القلب حتى يجعله كالرميم؛ لأنه محرق للفؤاد، ومشتتٌ للذهن، ومنغصٌ للحياة، ومدمرٌ للأسر، وقاطع للأرحام، ومفرق للجماعات، ومزهق للأرواح، ومظهر للأفعال بدون ترتيب ونظام وتفكير وبناء للألفاظ؛ فهو جالبٌ للخصوم، ومضيع للحقوق، وساكبٌ للأحقاد في قلوب العباد.

 فحري بكل مسلم ومسلمة أن يكون بعيداً عن أسبابه؛ لكي ينجو من الانحطاط الخلقي الذي يمارسه الغاضب من سوء في المقال، وخبث في الأفعال بدون تمعنٍ في عاقبة الخذلان.

وما هذا كله إلا لأن الغاضب لنفسه يقدم العاطفة على العقل في أقواله وأفعاله؛ فهو يتصرف بعاطفته لا بعقله، ولو علم حقيقة ما يغضب من أجله لعد نفسه من المجانين؛ لأنه بعيد عن واقع ما يغضب من أجله.

والمتأمل في كثير ممن يمارسون سرعة الغضب وانفعاله لديهم يرى أنهم يندمون على فعلهم في حال غضبهم، فهم في تعاسة في حال فعلهم، وحسرة على ما صدر منهم بعد زوال الغضب, فهم في شقاق وشقاء وظلام؛ لأنهم يفعلون ما لا يريدون، ويبغضون ما يصنعون، ويطلبون السلامة بما لا يقدرون إلا بتوفيق الحي القيوم1.

ولتقود –أخي المسلم- حياتك بدون غضب اعرف أسبابه ثم ابحث عن العلاج, واستعن بالله من الآن أن تبني حياتك بدون غضب, وهاك أسباب الغضب وعلاجه فتنبه لها:

أسباب الغضب: هناك أسباب عديدة للغضب، منها: الكِبْر والعُجْبُ والمزاح والهَزْلُ والهُزء والتعيير وحب الدنيا، وربما كان تسمية الغضب عند بعض السفهاء بأنه قوة وشجاعة ورجولة وهم بهذا يستسيغونه فيصبح مدحاً لصاحبه! وعموماً فأسباب الغضب كثيرة ومتفاوتة من شخص لآخر؛ فمن الناس من يغضب لأتفه الأسباب، وعلى المرء أن يهدئ نفسه دوماً، ويبتعد عما يغضبه حفاظاً على دينه ونفسه.

علاج الغضب: لا خَلاصَ من الغضب مع بقاء الأسباب، وعلاج الغضب بإزالة هذه الأسباب بأضدادها؛ فعلاج الزهو بالتواضع، وعلاج العُجب بمعرفة النفس، وعلاج المزاح بتركه، وعلاج الهزل بالجد في الأمور، وعلاج التعيير بالحذر من القول القبيح، وعلاج حب الدنيا بالقناعة.

ومن الأمور المهمة في علاج الغضب ما يأتي:

1- ذكر الله عز وجل: فيكون ذلك مدعاة إلى الخوف منه، وبعثه الخوف منه على الطاعة له؛ فعند ذلك يزول الغضب, قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران. وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (199) سورة الأعراف.

2- تخويف النفس من عقاب الله -عز وجل-: وهو أن يقول: قدرة الله تعالى عليَّ أعظم من قدرتي على هذا الإنسان؛ فلو أمضيت فيه غضبي لم آمن أن يُمضي الله تعالى غضبه عليَّ يوم القيامة.

3- الاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم، كما في حديث سليمان بن صرد -رضي الله عنه- قال: "اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ!"2.

4- التحكم في انفعال الغضب، وبذلك يحتفظ المرء بقدرته على التفكير السليم, وإصدار الأحكام الصحيحة.

5- تحول الغاضب عن الحال التي يكون عليها؛ فإن كان قائماً جلس، وإن كان جالساً اضطجع، وعليه أن يتوضأ أو يستنشق الماء3.

6- الصمت، وهو علاج ناجع للغضب أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ)4. ولأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول كثير من السباب وغير ذلك من الأضرار مما يندم عليه في حال زوال غضبه، فإذا سكت زال هذا الشر، وكما قيل: إذا غضبت فأمسك.

7- تذكر الغاضب ما يؤول إليه الغضب من الندم ومذمة الانتقام.

8- تذكر ثواب العفو وحسن الصفح، وهو بهذا يقهر نفسه عن الغضب، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)5.

تفكر الغاضب في قبح صورته ؛ فلو نظر إلى صورته في مرآة حال غضبه لاستحى من قبح صورته واستحالة خلقته. وأخيراً: فإن علاج الغضب بألا نكثر من الغضب في غير موضعه الصحيح، وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الرجل بقوله: (لا تَغْضَبْ)6. يقول ابن التين: "جمع -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (لَا تَغْضَبْ) خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين"7. وإن الذي يملك نفسه عند الغضب يعد قوياً، حيث استطاع أن يقهر حظ نفسه وشيطانه، والغضب المحمود هو ما كان لله عز وجل8.

والله أعلم والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 


 


1 مجلة البيان العدد 124 ص106 ذو الحجة 1418هـ.

2 رواه البخاري -5650- (19/73).

3 سنن أبي داود -4151 – (12/402) ومسند أحمد -20386- (43/352).

4 رواه أحمد -2029- (5/61) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1375).

5 رواه البخاري -5649- (19/72) ومسلم -4723 – (13/19).

6 رواه البخاري -5651- (19/74).

7 تحفة الأحوذي – (5/276).

8 مجلة البيان العدد 181 ص28 رمضان 1423هـ.