جلسة عيدية

جلسة عيدية

 

جلسة عيدية

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

مرحباً أهلاً وسهلاً بالعيد, يوم الفرحة الكبيرة, نسأل الله أن يجعله عيد عز وسعادة ونصر للمسلمين.

العيد شعيرة إسلامية جليلة، العيد مناسبة إيمانية جميلة، العيد موعد ولقاء تتجلى فيه معان الإنسانية والاجتماعية والنفسية، نعم.. العيد مظهر من مظاهر العبودية لله -تعالى- صلاة وذكر ودعاء، تصافح وتآلف وتألق وتعانق، ود وصفاء وأخوّة ووفاء، لقاءات مغمورة بالشوق والعطاء والمحبة والنقاء.

 

إن هذا العيد جـاء*** ناشـراً فينا الإخـاء

نازعاً أشجار حقـد*** مصلحاً مهدي الصفاء

العيد واحة سرور وبهجة وسط صحراء الحياة الجادة اللاهبة، العيد واحة وارفة يستقبله المسلم بالفرح والعطاء والابتسامة والهناء، نعم.. إنه عيد يغمر نفوس الصغار بالفرح والمرح، والكبار بالشكر والذكر، والمحتاجين بالسعة واليسر، والأغنياء بالعطاء والمدّ، يُملأ القلوب بهجةً وأنساً، والنفوس صفاء وحباً، فتُنسى فيه الأحقاد والضغائن، ويحصل الجمع بعد الفراق، والصفاء بعد الكدر، والتصافح بعد التقابض، نعم.. عيد تتجدد فيه أواصر الحب ودواعي القرب، فلا تشرق شمس ذاك اليوم إلا والبسمة تعلو كل شفة، والبهجة تغمر كل قلب.. عيد تبتسم له الدنيا، أرضها وسماؤها، شمسها وضياؤها، فما أجمل العيد وما أجمل داعيه..

 

نعم أخي الحبيب, ينبغي أن تكون هذه المعاني هي السائدة في القلوب والنفوس, وينبغي لك –خاصة أنت أيها الداعية سواء كنت إمام مسجد أو مسؤول الحي أن تغرس مع إخوانك هذه المعاني في نفوس أهل الحي حتى يكون أهل الحي الواحد والأحياء المجاورة كالجسد الواحد, وبالتالي يكون أهل البلدة كلهم كالجسد الواحد,كل يشعر بالآخر فيتآنسون ويتزاورون ويعطف كل على الآخر فبالجلوس معاً والمناقشات حول أوضاعهم يتعرف كل منهم على حال صاحبة وتتكتل قوة لمواجهة الصعوبات وإحياء روح التعاون التي تفقدها كثير من الأحياء والقرى, ولهذا كله فإننا نهيب بالأخوة الفضلاء أن يستغلوا مناسبة العيد لعقد جلسة مع أهل الحي بعد صلاة العصر –مثلاً- لا يفرق فيها بين غني وفقير, وصغير وكبير, حتى على مستوى النساء ينبغي أن تجعل لهن جلسة أيضاً بحيث تشرف على الجلسة بعض الداعيات لتكون جلسة منظمة ومرتبة يتم من خلالها معرفة أوضاع الأسر اجتماعياً وصحياً واقتصادياً ويتم على ضوء ذلك العمل لرفع المستوى الثقافي والاقتصادي والدعوي, وغير ذلك مما ينفع الأمة.

 

ولتكون الجلسة ليست مجرد جلوس رسمي ينبغي أن يوفر فيها شيء من المأكولات كالكيك وبعض العصيرات, وتكون جلسة مفتوحة يسمح فيها للجميع بالمشاركة بالرأي وطرح ما يراه من المشكلات, وطرح الحلول وهكذا على أن تختتم مثل هذه الجلسة بشيء من الترفيه بالمسابقة والطرفة ونحوها, ولا ينسى أن يجعل لأطفال من هذه الجلسة نصيب بإقامة مسابقة وإرسالهم إلى الملعب حتى يجدوا لذة العيد ويفرحون مع الكبار بمثل هذا اللقاء.

 

إخواني: ينبغي ألا نهمل هذا الجانب المفيد دعوياً واجتماعياً فينبغي على الجميع  أن يتجاوب لمثل هذه الجلسات العيدية التي لا تكلفنا إلا الشيء اليسير, حتى يكون لسان حالنا جميعاً كحال مشاعر هذا القائل: “تذكرت في صبيحة العيد وأنا أقبل أولادي يتامى لا يجدون من يقبلهم أو حتى يبتسم لهم.. تذكرت في صبيحة العيد وأنا مع زوجي أيامى لا يجدن حنان الزوج ورقته.. تذكرت في صبيحة العيد ونحن على الطعام الطيب والشراب البارد الجموع التي تموت من الجوع.. تذكرت في صبيحة العيد وأنا ألبس الجديد.. ذلك الذي لا يجد ما يستر به عورته، وربما غطى بالأوراق والجلود سوءته.. تذكرت في صبيحة العيد وقد اجتمع شملنا وأنسنا بآبائنا وأمهاتنا، إخوانا لنا شردتهم الحروب، لا راحة ولا استقرار ولا أمن ولا أمان فعيدهم دموع وأحزان وذكريات وأشجان، جالت في خاطري هذه الذكريات..

 

ومع ذلك لبست الجديد، وزرت القريب والبعيد، وأكلت وشربت وابتسمت ومازحت؛ لكن شعور الجسد الواحد وشعور الإخاء قوى في نفسي؛ لا أنساهم في حديثي؛ وإن ضحكت تبدو مسحة الحزن على وجهي.. يهيج بالدعاء لهم لساني؛ وأحدث عنهم أهلي وجيراني؛ وفى صحيح مسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)1 . ومن عمل صالحاً فلنفسه،، ومن علت همته أتصف بكل جميل، ومن دنت همته اتصف بكل خلق رذيل..

وفق الله الجميع إلى كل خير, والحمد لله رب العالمين 2.

 

 


 


1 رواه مسلم -4685- (12/468).