الزيارات الهادفة

الزيارات الهادفة

الحمد لله الملك العلام، البر القدوس السلام، والصلاة والسلام على مسك الختام، وسيد الأنام، محمد بن عبد الله خير من صلَّى وصام، وعلى آله وأصحابه مصابيح الدجى والظلام، وعلى التابعين لهم بإحسان على الدوام .. أما بعد:

فإن من الأنشطة الناجحة والمفيدة التي ينبغي على القائمين على المساجد وأنشطتها أن يقوموا بها، وأن يحثوا عليها رواد المساجد، وطلاب التحفيظ: الزيارات الهادفة.

ذلك أن الإسلام قد حث على التزاور والتواصل، وحذر من الهجران والقطيعة؛ فعن أبي هريرة  عن النبيّ : أن رجلاً زارَ أخاً له في قرية أخرى، فأرصدَ اللّه تعالى على مَدْرَجته – طريقه – مَلَكاً، فلما أتى عليه قال: أين تُريد؟ قال: أُريدُ أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لكَ عليه من نعمة ترُبُّها – أي تقصدها وتريدها –؟ قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في اللّه تعالى، قال: فإني رسولُ اللّه إليك بأن اللّه تعالى قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه1، وعن أبي هريرة  قال: قال رسول اللّه : مَنْ عادَ مَرِيضاً، أوْ زَارَ أخاً لَهُ في اللَّهِ – تَعالى – نادَاهُ مُنادٍ: بأنْ طِبْتَ وَطابَ مَمْشاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً2. وقد كان النبي  يزور أصحابه وجيرانه، فيسأل عمن غاب منهم، ويعود من مرض منهم، ويساعد المحتاج منهم، وقد فعل ذلك أصحابه من بعده؛ فهذان أبو بكر وعمر يقومان بزيارة أم أيمن؛ فعن أنس  قال: قال أبو بكر لعمر – رضي الله عنهما – بعد وفاة رسول الله : انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله  يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله  ؟ فقالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله ، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معه3.

ولكن ينبغي على القائمين على مثل هذه الأنشطة – أعني الزيارات – أن تكون النية خالصة لوجه الله، وأن تكون الزيارة هادفة، يرجو الزائر من ورائها تحقيق أهداف بعينها، فإلى القائمين على هذه الأنشطة أسوق نماذج للزيارات الهادفة التي يمكن القيام بها، وهي كالتالي:

أولا: زيارة من تجب عليك زيارته؛ كالوالدين إذا كانا يسكنان لوحدهما، أو في بلد غير البلد التي تعيش فيه، وكذلك زيارة وصلة الأرحام اللاتي لا يوصلن إلا من قبلك.

ثانياً: زيارة أهل الفضل والعلم والتقى؛ فعن ابن عباس – رضي اللّه عنهما – قال: قال النبيّ  لجبريل : ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا فنزلتْ: وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وَما خَلْفَنا4 (سورة مريم:64)، فزيارة أهل الفضل والعلم من أجل سؤالهم عما أشكل، والاستفادة من علمهم وخبرتهم، ومن تجاربهم.

ثالثاً: زيارة أصحاب الوجاهة والرأي؛ من أجل دعوتهم، وإهدائهم بعض الكتب والأشرطة، وإطلاعهم على جهود الدعوة وأهلها، وتوضيح بعض الشبه التي تثار حول الدعاة، وذلك من أجل كسبهم لحماية أهل الدعوة، والحفاظ عليها. رابعاً: زيارة الجيران والأصدقاء والخلان، وغير ذلك من عموم المسلمين؛ وذلك لأن الزيارة وسيلة من وسائل توثيق المودة، وتآلف القلوب، وتقوية الروابط.

خامساً: زيارات المرضى إلى بيوتهم أو إلى المستشفيات، وذلك لإيناسهم والدعاء لهم؛ وقد أمر النبي  زيارة المريض؛ فعن أبي هريرة  أن رسول الله  قال: حق المسلم على المسلم خمس  – وذكر منها -: وعيادة المريض5 فقد زار  غلاماً يهودياً كان يخدمه؛ فعن أنس  قال: كان غلام يهودي يخدم النبي  فمرض، فأتاه النبي  يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم  فأسلم، فخرج النبي  وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار6.

سادساً: زيارة القبور لترقيق القلوب، وللدعاء للموتى، وللعظة والذكرى؛ فإن تلك زيارة سنية، وسنة نبوية؛ فعن بريدة  قال: قال رسول الله  : كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها7، وفي سنن ابن ماجه عن ابن مسعود أن رسول الله  قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة، وزيارة القبور خاصة بالرجال دون النساء؛ لأن النبي  نهى النساء عن زيارة القبور، ولعن زوارات القبور.

ومن زيارة القبور زيارة الشهداء من أهل البقيع؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله   كلما كان ليلتها من رسول الله  يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد8.

سابعاً: زيارة الأماكن الفاضلة المباركة؛ كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى؛ وذلك من أجل الصلاة في تلك المساجد الثلاثة؛ لحديث أبي هريرة  عن النبي  قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول  ، ومسجد الأقصى9. وكذلك زيارة مسجد قباء، وصلاة ركعتين فيه؛ لمن ذهب لأداء مناسك الحج والعمرة؛ فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: “كان رسول الله  يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً، فيصلي فيه ركعتين”10.

عاشراً: زيارة مكاتب دعوة الجاليات، وذلك لمساندة القائمين عليها، وتشجيع الداخلين في الإسلام حديثاً.

فعلى القائمين بشؤون المساجد والأنشطة فيها أن يحيوا هذا النشاط بين طلاب التحفيظ، وبين رواد المساجد، ولتكن هذه الزيارات مجدولة – شهرية مثلا -، مع الأخذ في الحسبان أنه لا بد من التنسيق مع الجهة التي تزار، وأن يكون الوقت مناسباً.

والله نسأل أن يوفق القائمين على المساجد لتـأدية الرسالة الموكلة إليهم، وأن يقوموا بذلك خير قيام، وأن يبارك في جهود الجميع، وأن يتقبل منا صالح الأعمال والأقوال إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 رواه مسلم.

2 رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حديث حسن، وانظر الجامع الصغير (5/ 322 ).

3 رواه مسلم.

4 رواه البخاري.

5 متفقٌ عليه.

6 رواه البخاري .

7 رواه مسلم.

8 رواه مسلم.

9 رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري.

10 رواه البخاري ومسلم واللفظ له.