المساجد والأطفال

المساجد والأطفال

الحمد لله مستحق الحمد وأهله، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف رسله، وعلى آله وصحبه. أما بعد:

فإن المساجد أشرف البقاع وأحبها إلى الله تعالى، وقد أمر الله بأن ترفع ويذكر فيها اسمه، وتصان عما يخل بطهارتها وقداستها، وأن يبعد عنها كل ما من شأنه تقذيرها والعبث فيها.

وهنا مسألة متعلقة بهذا الموضوع وهي الأطفال في المساجد، هل يمنعون عنها بحيث لا يدخلونها إلا وهم كبار، أم لا بد من ضبط ذلك بحسب الطفل إن كان صالحاً هادئاً مؤدبا فيدخل ليتعلم الصلاة والعبادة كما يراها من الناس، أو يكون الطفل مؤذياً صاخباً يؤذي المصلين ويشوش عليهم صلاتهم فيمنع من ذلك؟ كل ذلك ما سنتعرض له في موضوعنا هذا، إن شاء الله.

لم يأت في الشريعة الإسلامية ما يدل على تجنيب الأطفال المساجد، بل دلت النصوص الشرعية على العكس من ذلك، فقد كان أطفال المسلمين يدخلون مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنهم الحسن والحسين، فعن بن بريدة عن أبيه قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر يخطب إذ أقبل الحسن والحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل وحملهما فقال: (صدق الله: “إنما أموالكم وأولادكم فتنة” رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما)1. فدل على أن الحسين والحسين كانا يدخلان المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- يرى ذلك المنظر ويقول تلك الكلمات المباركات، وغيرها من الأدلة على ذلك. لكن يمنع الطفل الذي يعبث بالمسجد ويسبب الأذى للمصلين والتشويش عليهم في صلاتهم يقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين رحمه الله : “منع الصبيان ونحوهم من المساجد عند خوف العبث واللعب فيه: وذلك أن من طبيعة الأطفال كثرة اللعب والحركة، والتقلب والاضطراب، مما يشوش على المصلّين والقراء، وأهل الذكر والعلم، ولا يستطع وليه التحكم في تسكينه غالبًا، فهو في الصلاة يكثر الالتفات والتقدم والتأخر، ومد اليدين، وحركة القدمين، وذلك مما يشغل من يصلي إلى جانبه، ويلهيه عن الإقبال على صلاته، مما يذهب الخشوع، وينقص الأجر، ثم إن الأطفال الذين دون سن التمييز لا يؤمن تلويثهم للمسجد، فقد يحصل منهم التبول ونحوه، والروائح المستكرهة، واللعاب والبصاق ونحو ذلك، لعدم فهمهم بحرمة المكان، وصعوبة تأديبهم، والتحكم فيهم، فلذلك يتأكد على أوليائهم منعهم من دخول المساجد إلا بعد التأكد من فهمهم، وتعلمهم احترام المسجد، وتربيتهم على النظافة والأدب، وحفظهم عن كثرة الحركة، وما يسبب ضررًا أو تشويشًا للمنظر الظاهر في بيوت الله التي أذن أن ترفع.

وقد روى ابن ماجه في سننه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم، وبيعكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسلَّ سيوفكم..” إلخ . قال البوصيري في الزوائد: “إسناده ضعيف، فإن الحارث بن نبهان متفق على ضعفه” اهـ . لكن له شواهد، فقد رواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة قالوا: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وخصوماتكم، وأصواتكم، وسلّ سيوفكم، وإقامة حدودكم..” إلخ. لكن في إسناده العلاء بن كثير الليثي الشامي وهو ضعيف2.3 وقال الشوكاني في شرح بعض الأحاديث: “وفيه جواز إدخال الصبيان المساجد. وقد أخرج الطبراني من حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “جنبوا مساجدكم صبيانكم وخصوماتكم وحدودكم وشراءكم وبيعكم وجمروها يوم جمعكم واجعلوا على أبوابها مطاهركم” ولكن الراوي له عن معاذ مكحول وهو لم يسمع منه، وأخرج ابن ماجه من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع” وفي إسناده الحارث بن شهاب وهو ضعيف.

وقد عارض هذين الحديثين الضعيفين حديث أمامة المتقدم وهو متفق عليه. وحديث الباب وحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف ، مخافة أن تفتتن أمه)، وهو متفق عليه، فيجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتجنيب على الندب، كما قال العراقي في شرح الترمذي، أو بأنها تنزه المساجد عمن لا يؤمن حدثه فيها”.4  وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في بلاد الحرمين السؤال التالي: ما حكم دخول الأطفال والمجانين المسجد؟

فأجابت: “على ولي أمر المجنون منعه من دخول المسجد؛ دفعًا لأذاه عن المسجد والمصلين، والسعي في علاجه. أما الأطفال فلا يمنعون من دخول المسجد مع أولياء أمورهم أو وحدهم إذا كانوا مميزين وهم أبناء سبع سنين فأكثر؛ ليؤدوا الصلاة مع المسلمين. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم”.

ونخلص مما سبق إلى أنه:

  • لم يرد دليل صحيح على منع الأطفال من دخول المساجد، بل دلت الأحاديث على جواز دخولهم.
  • أن الطفل المؤذي والمشوش على المصلين يجب تعليمه وتربيته على آداب المساجد وصيانتها عن الأذى والإيذاء، فإن لم يفهم ولم يعقل وجب منعه.
  • أن الأطفال المميزين يؤتى بهم إلى المساجد لتعلم الصلاة والقرآن، وأن على أولياء أمورهم ضبطهم لما فيه مصلحة المسجد والمصلين.

والله أعلم، وهو الموفق والهادي إلى أقوم طريق.


1 رواه النسائي والبيهقي، وقال الألباني: صحيح.

2 وقد قال عنه الألباني: ضعيف جداً.

3 فصول ومسائل تتعلق بالمساجد، (ج 1 / ص 59)

4 نيل الأوطار – (ج 3 / ص 128).