الزواج آية

الزواج آية من آيات الله

 

الزواج آية من آيات الله

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعـد:

فكم لله على الخلق من منَّة، وكم له في الكون من آية، ومن نعمه وآياته في هذا الكون، نعم الزواج قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم (20) (21). فالله -سبحانه- خلق البشر من تراب، وذلك حيث خلق أولهم آدم -عليه السلام- ثم خلق من آدم زوجه حواء وهذا دليل على عظمته وكمال قدرته: {ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}؛ فأصل بني آدم من تراب، ثم من ماء مهين، ثم تصور فكان علقة ثم مضغة، ثم صار عظاما شكله على شكل الإنسان ثم كسا الله تلك العظام لحماً، ثم نفخ فيه الروح فإذا هو سميع بصير، ثم خرج من بطن أمه صغيراً ضعيف القوى والحركة، ثم كلما طال عمره تكاملت قواه وحركاته حتى آل إليه الحال أن صار يبني المدائن والحصون أو يسافر في أقطار الأقاليم، ويركب متن البحور، ويدور أقطار الأرض، ويكتب ويجمع المال، وله فكرة وغور ودهاء ومكر ورأي وعلم واتساع في أمور الدنيا والآخرة كل بحسبه فسبحان من أقدرهم وسيرهم وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب وفاوت بينهم في العلوم والفكر، والحسد والقبح، والغنى والفقر، والسعادة والشقاوة، ولهذا قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}1 سورة الروم (20).

 

وعن أبي موسى-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء من الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن وبين ذلك)2. وهذه هي الخلقة الأولى المتضمنة لنوع البشر، ثم ينتقل الحديث عن مجال الحياة المشتركة بين جنس البشر فيقول الله -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم(21).

 

وهذه آية من آيات الله، ونعمة من نعمه على عباده حيث جعل زوج الإنسان من بني جنسه، من نفسه، حتى يتم التعايش، ويسهل التفاهم في هذه الحياة الدنيا، فإنه لو كانت زوجة أحدنا من الجان أو الحيوان فكيف ستكون العيشة؟ وكيف سيتم الفتاهم على هذه الأرض؟ وفي هذه الآية دليل تكريم الله لهذا الإنسان، الذكر والأنثى، حيث جعل كل واحد يسكن الآخر، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} سورة الإسراء (70). وقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي خلق لكم من جنسكم إناثاً تكون لكم أزواجاً، لتسكوا إليها كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} سورة الأعراف (189). يعني بذلك حواء خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر.

 

ومن تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم مودة وهي: المحبة، ورحمة وهي الأمة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبة أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق بينهما، وغير ذلك: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فإن الناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشتغل أعصابهم تلك الصلة بين الجنسين، ويدفع خطاهم، وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرآة، ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجاً، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكناً للنفس والعصب وراحة الجسم القلب واستقرارا ً للحياة والمعاش، وأنشاء للأرواح والضمائر، واطمئناناً للرجل والمرآة على السواء {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيدركون حكمة الله في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موفقاً للآخر، ملبياً لحاجته الفكرية، نفسيته وعقلية وجسدية. بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعها السكن والاكتفاء، والمودة والرحمة؛ لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه وتلبية رغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تمثل في جيل جديد. اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا وترحمنا إنك أنت الغفور الرحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين


 


1 – راجع تفسير ابن كثير(3/11432- 1433).

2 – رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر صحيح الجامع رقم(1759).