قضاء الوتر

قضاء الوتر

 

قضاء الوتر

"أبو عبد الرحمن العربى زغلول"

 

    عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره ) وبلفظ ( من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا ذكر أو إذا استيقظ ) عن زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من نام عن وتره ، فليصل إذا أصبح )

عن محمد بن المنتشر ( كان فى مسجد عمرو بن شرحبيل فأقيمت الصلاة فجعلوا ينتظرونه فجاء فقال : إنى كنت أوتر ، وقال : سئل عبد الله : هل بعد الأذان وتر قال : نعم وبعد الإقامة وحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس ثم صلى. وعن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر )، وعن أبى الدرداء ( ربما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح ) وعن عائشة ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح فيوتر )

 

قال ابن حجر في الفتح (2/557) : ( اختلف السلف في مشروعية قضائه فنفاه الأكثر ، وفى مسلم وغيره عن عائشة ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة ) وقال محمد بن نصر : لم نجد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه ، ومن زعم أنه صلى الله عليه وآله وسلم فى ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب 0 وعن عطاء والأوزاعي يقضى ولو طلعت الشمس وهو وجه عند الشافعية حكاه النووي في شرح مسلم ، وعن سعيد بن جبير يقضى من القابلة ، وعن الشافعي : يقضى مطلقاً، ويستدل لهم بحديث أبى سعيد المتقدم والله أعلم.

 

قال المباركفورى فى التحفة (2/568-570): ( قوله ( من نام عن وتره فليصل إذا أصبح ) قال ابن الملك: أي: فليقض الوتر بعد الصبح متى اتفق ، وإليه ذهب الشافعي في أظهر قوليه . وقال مالك واحمد لا يقضى الوتر بعد الصبح انتهى.

قلت : مذهب الشافعي موافق لهذا الحديث وهو حجة على مالك وأحمد فإن قلت : هذا الحديث مرسل والمرسل من أقسام الضعيف، قلت : قال ميرك نقلا عن التصحيح : وله شاهد من حديث أغر المدني عند الطبراني بإسناد جيد انتهى.

ويؤيده حديث أبى سعيد المذكور في الباب وإسناده عند أبى داود صحيح كما ستعرف ) وقد قال الترمذي . ( وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث وقالوا : يوتر الرجل إذا ذكر وإن كان بعد ما طلعت الشمس وبه يقول سفيان, قال الشوكاني فى نيل الأوطار (3/318-319) في شرح حديث عائشة المتقدم : ( الحديث يدل على مشروعية قضاء الوتر إذا فات، وقد ذهب على ذلك من الصحابة على بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص ، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضالة بن عبد وعبد الله بن عباس كذا قال العراقي قال : ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيدة السلماني وإبراهيم النخعي ومحمد بن المنتشر وأبو العالية وحماد بن سليمان.

ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو أيوب وسليمان بن داود الهاشمي ، وأبو خيثمة، ثم اختلف هؤلاء إلى متى يقضى على ثمانية أقوال :

أحدهما: ما لم يصبح الصبح ، وهو قول ابن عباس وعطاء بن أبى رباح ومسروق والحسن البصرى وإبراهيم النخعي ومكحول وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبى أيوب خيثمة حكاه محمد بن نصر عنهم.

ثانيها: أنه يقضى الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح وبه قال النخعى.

ثالثها: أنه يقضى بعد الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال روى ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاووس ومجاهد وحماد بن أبى سليمان وروى أيضا عن ابن عمر.

رابعها: أنه لا يقضيه بعد الصبح حتى تطلع الشمس فيقضيه نهارا حتى يصلى العصر فلا يقضيه بعده ، ويقضيه بعد المغرب على العشاء ، ولا يقضيه بعد العشاء لئلا يجمع بين وترين فى ليلة ، وحكى ذلك عن الأوزاعى.

خامسها: أنه إذا صلى الصبح لا يقضيه نهارا لأنه من صلاة الليل ويقضيه ليلا قبل وتر الليلة المستقبلة ثم يوتر للمستقبلة وروى ذلك عن سعيد بن جبير.

سادسها: أنه إذا صلى الغداة أوتر حيث ذكره نهارا فإذا جاءت الليلة الأخرى ولم يكن أوتر لم يوتر لنه إن أوتر في ليلة مرتين صار وتره شفعا حكى ذلك عن الأوزاعى أيضا.

سابعها: أنه يقضيه أبدا ليلا ونهارا وهو الذي عليه فتوى الشافعي.

ثامنها: التفرقة بين يتركه لنوم أو نسيان وبين أن يتركه عمداً ، فإن تركه لنوم أو نسيان قضاه إذا استيقظ أو إذا ذكر في أي وقت كان ليلاً أو نهاراً وهو ظاهر الحديث وأختاره ابن حزم واستدل بعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) قال: "وهذا عموم يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة وهو في الفرض وفى النفل أمر ندب، قال: ومن تعمد تركه حتى دخل الفجر فلا يقدر على قضائه أبداً، فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبداً متى ذكره ولو بعد أعوام.

وقد استدل بالأمر بقضاء الوتر على وجوبه ، وحمله الجمهور على الندب وقد تقدم الكلام فى ذلك ) أ . هـ  

قال المباركفوري صاحب التحفة في التحفة (2/573): ( مذهب أبى حنيفة أنه يجب قضاء الوتر حتى لو كان المصلى صاحب ترتيب وصلى الصبح قبل الوتر ذاكرا لم يصح ).

وفى ( مسائل أحمد لأبنه عبد الله ) ( 93،95) ( سألت أبى عمن نسى الوتر أصبح ، يجب عليه القضاء ؟ قال : إن قضى لم يضره، قال ابن عمر : ما كنت صانعاً بالوتر وقال أبى : ما سمعنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى شيئاً من التطوع إلا ركعتين قبل الفجر فإنه نام عن الصلاة أمر بلالاً فأذن وصلى ركعتين ، ثم أقام وصلى الفجر ويقال : أنه شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر سمعت أبى يقول فيمن أصبح ولم يوتر: إن أوتر فحسن، وإن لم يوتر فأرجو أن لا يكون عليه شيء. قلت لأبي : فإن ذكر من الغد ؟ قال : أرجو أن لا يكون به بأس ) أ .هـ

وفى ( مسائل أحمد ) لأبى داود (71) : ( سمعت أحمد سئل عن رجل عليه صلوات فوائت ؟ قال: إن فعل لم يضره ). قال محمد بن نصر : ( والذي أقول به أنه يصلى الوتر ما لم يصل الغداة فإذا صلى الغداة فليس عليه أن يقضيه بعد ذلك ، وإن قضاه على ما يقضى التطوع فحسن ، قد يصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الركعتين قبل الفجر بعد طلوع الشمس في الليلة التي نام فيها عن صلاة الغداة حتى طلعت الشمس، وقضى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر بعد العصر في اليوم الذي شغل فيه عنهما، وقد كانوا يقضون صلاة الليل إذا فاتتهم بالليل نهاراً فذلك حسن وليس بواجب ) أ. هـ.

هل يقضى الوتر ؟ قال ابن القيم رحمه الله ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : في هذا دليل على أن الوتر لا يقضى لفوات محله فهو كتحية المسجد وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحوها لأن المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وتراً كما أن المغرب آخر صلاة النهار فإذا انقضى الليل وصليت الصبح لم يقع الوتر موقعه. وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر )

ولكن لهذا الحديث عدة علل:

أحدها: أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف

الثاني: أن الصحيح فيه أنه مرسل له عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي : هذا أصح يعني المرسل

الثالث: أن ابن ماجه حكى عن محمد بن يحيى بعد أن روى حديث أبي سعيد : الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أوتروا قبل أن تصبحوا ) قال: فهذا الحديث دليل على أن حديث عبد الرحمن واه.