اتقاء الشرور في حوادث المرور (1)

 

إتقاء الشرور في حوادث المرور ( 1 )

“أبو أنفال الجزائري”

 

مقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصبحه ومن اهتدى بهديه.

 

 توطئة:

من الملاحظ أن حوادث المرور أصبحت تشكل عائقا كبيرا في حياتنا، بل هي في عداد الكوارث التي تحدث أحيانا من زلازل وفيضانات وغيرها باعتبار أن حوادث المرور تحصد العشرات أو المئات من الأشخاص يوميا، بين أموات وجرحى، بالإضافة إلى ما يلحق من فساد للعتاد وغيرها، فالمتمعن لنسبة حوادث المرور يذهل بالحصيلة التي تقدمها الهيئات المسئولة في هذا الميدان مما يتطلب البحث عن أسباب هذه الحوادث ووضع الحلول واتخاذ تدابير واقية في هذا الشأن. وفي ديننا الحنيف تعاليم لو عمل بها وطبقت في هذا المجال مع القوانين المعمول بها في هذا الميدان لقضينا على هذه الحوادث وتحقق بذلك الأمن والسلام في هذا الجانب العظيم من جوانب الحياة في هذا العصر. لذلك أردت من خلال هذه الإطلالة الوجيزة أن أذكر بالبعض منها، سائلا المولى عز وجل التوفيق والسداد لكل من يعمل جاهدا على حفظ هذه الأرواح التي تحصد يوميا من جراء حوادث المرور. نعمة المركب: قال الله تعالى: { وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14))الزخرف إن من عظيم ما منه الله تعالى علينا نعمة المركب الذي به كم رفع من عناء وبلاء عن العباد، كما بين ذلك سبحانه في قوله:” (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)‏ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)} النحل.

 

إن رأفة الله تعالى ورحمته بخلقه فوق كل تصور فمن رحمته أن سخر لعباده من وسائل النقل في كل عصر بحسبه فكما خلق الأنعام من قبل وسخرها لخدمة الإنسان فخلق مثلها اليوم كالسيارات والطائرات وغيرها من وسائل الركوب الحالية ولا ندري ماذا يخلق من بعد ؟ فوسائل الركوب القديمة والحديثة أشار إليها المولى عز وجل في قوله: { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)”)النحل. ومن رحمته جل وعلا أنه إذا أنعم علينا نعمة بين لنا سبيل حفظها ليتمها علينا،قال جل وعلا: ” ( وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) } المائدة، فسبيل حفظ هذه النعمة هو أن نشكر الله تعالى ولا نكفره، ونتبع وصايا النبي صلى الله عليه وسلم فيها. كيف نشكر هذه النعمة ؟ النعم من الله وحده: أول الأمر أن ننسب هذه النعمة للخالق البارئ أي: أن نكون على علم بأن الله تعالى هو المسخر لهذه النعم حتى نصرف الشكر لله وحده دون أن نشرك به أحدا غيره، كما يعتقده بعض الجهلة من الناس الذين يبالغون في مدح من صنعوا هذه الصناعات ويجلونهم ويعظمونهم وينسون أن الذي سهل لهم ذلك هو مالك خزائن الأرض والسماوات، فمُلك الأرض والسماء له وحده ولا يحدث شيئا في ملكه إلا بإذنه جل وعلا، ولا يُقضى شيء في الأرض حتى يُقضى في السماء، فبهذا المعتقد السليم نستطيع أن نشكر الله تعالى على آلائه، وهي الإشارة التي نوه إليها سبحانه وتعالى في قوله:( وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)، فالذي سخر ويسر هو الله ونحن ليس بوسعنا عمل شيء إلا بإذنه تعالى.

 

لطيفة:كلمة سبحان: هي من باب التعظيم والثناء والتنزيه، فيكون التعظيم والتنزيه والثناء لله وحده، ومعنى مقرنين: أي – مماثلين له في القوة وفي الصنيع، وهي إشارة إلى أن الإنسان مهما بلغ من العلم واكتشف من صناعة فالمسخر لها هو الله ولا يستطيع أيا كان أن يبدع شيئا في ملكوت الله تعالى إلا بإذنه.

 

تنبيه: النعمة حتى ولو جاءت على أيدي الكفار فأصلها من الله تعالى، فقد تأتي النعمة من قبل هؤلاء وعلينا بالأخذ بها وشكرها، كما ورد في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنه حين وكله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة الفطر فأتاه الشيطان يطلب الصدقة وتعرض له مرات عديدة، وفي المرة الثالثة قال: فَقُلْتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ قَالَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَقَالَ لِي لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ )) رواه البخاري.

 

فالأمر إذا وافق الشريعة في جلب المنفعة أو ذرأ مفسدة فواجب العمل به حتى ولو صدر من عدو كما هو الحال بالنسبة للأدوية وغيرها من المنافع، لكن فقط ضرورة اليقين بأن الله تعالى هو الذي أجرى هذه المنافع على أيدي خلقه وسهل لهم وسائل البحث والاكتشاف ويكفي أن العقل البشري من جملتها. إتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم: إن من عظيم شكر الله تعالى على آلائه علينا أن نتبع فيها هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو خير من أدى شكرها وأرضى فيها المولى جل وعلا، فالحبيب المصطفى كان شاكرا لأنعم الله عليه ومن جملتها نعمة المركب الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من عظيم النعم وبين أنه من سعادة الإنسان في هذه الحياة، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ )) رواه أحمد، والمركب لا يصلح إلا بالتعاليم النبوية التي إن اهتدينا بها نلنا بذلك هذه السعادة وهذا الهناء، وإن حدنا عنها انقلب الهناء إلى شقاء وعناء وأصبح المركب مركب سوء يأتي بالأسواء والمخاطر التي هي من جملة العذاب العاجل، كما نراه جليا من خلال حوادث المرور التي أصبحت تشكل خطرا محدقا ببني البشر، ففي كل يوم تموت العشرات والمئات من جراء حوادث المرور، والناجون من الموت لا يسلمون من الأضرار التي تلحق بأبدانهم، فمنهم من تذهب بيديه ومنهم من تذهب برجليه ومنهم من تلزمه الفراش مدى الحياة وغيرها من الأضرار، فهذه الحوادث أصبحت عائقا كبيرا في هذه الحياة يحسب لها ألف حساب، وما دام الأمر متعلقا بالأنفس التي أمر الله بحفظها بل هي من الكليات الكبرى لشريعتنا السمحة التي من أجلها شرعت تعاليم ديننا الحنيف، فما دام الأمر كذلك وجب على كل منا أن يبين ويوضح للناس سنن الله عز وجل مع كل من يحيد عن سبيله ولا يتبع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، هذه السنن من العذاب التي لا تتغير ولا تتبذل مهما تغيرت الوسائل،قال الله تعالى: { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} النور.

 

ومن واجب أئمة المنابر أن يذكروا الناس بذلك باعتبار أن المسجد الرائد الأول في جميع المجالات في هذه الحياة. ذكر الله تعالى: قال جل وعلا: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14)} الزخرف يأمر المولى جل وعلا بذكره عند كل مركوب يُركب وذلك لغرض تسهيل هذه النعمة وحفظها للعباد وحفظ العباد فيها، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أذكارا كان يلازمها أثناء ركوبه لدابته، فمن واجبنا نحن الإقتداء به صلى الله عليه وسلم والتأسي به في الصغيرة والكبيرة لقوله جل وعلا: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)} الأحزاب.

 

يرجو الله أي:يرجو رحمته وحفظه وفضله وعفوه، واليوم الآخر: لتتم للعبد سعادة الدنيا والآخرة، وذكر الله كثيرا: دون تقييد لذكر الله تعالى حتى نذكره على كل حال ونتأسى برسوله صلى الله عليه وسلم الذي كان يذكر الله تعالى في سائر أوقاته. أحاديث لا بد منها: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ عَلِيًّا الْأَزْدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: “سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ” وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ “آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ )) رواه مسلم، وعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ شَهِدْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ (( بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ثُمَّ ضَحِكَ قُلْتُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ )) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا:((كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَسَبَّحَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَهَلَّلَ اللَّهَ وَاحِدَةً ثُمَّ اسْتَلْقَى عَلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ مَا مِنْ امْرِئٍ يَرْكَبُ دَابَّتَهُ فَيَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ إِلَّا أَقْبَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَضَحِكَ إِلَيْهِ كَمَا ضَحِكْتُ إِلَيْكَ )) رواه أحمد.أقبل الله عز وجل عليه: أي – بحفظه ورعايته -، يحفظه من وعثاء السفر وسوء المنقلب فلا يصيبه بإذن الله تعالى مكروها.

وعَنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:((عَلَى ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ لَا تُقَصِّرُوا عَنْ حَاجَاتِكُمْ )) رواه أحمد. فمن خلال هذه الأحاديث الشريفة يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى أثناء استعماله لدابته ويوصي بذلك فيبدأ ركوبه ذاكرا لله تعالى فيقول بسم الله ثم يحمد الله تعالى ويكبره ويسبحه ويهلله، ثم يستغفر الله عز وجل، والاستغفار مطلوبا لجلب النعم أو صرف النقم وهو من تمام شكر الله تعالى، فنعمه جل وعلا التي لا تعد ولا تحصى تتوافد علينا كل حين، وقليل ما هم الذين يؤدون شكر نعم الله عليهم،قال سبحانه وتعالى: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)} سبأ، فليس من الحكمة أن تنعم بالنعم وتعصي صاحب المنن. كما يحث النبي صلى الله عليه وسلم على ملازمة التقوى والتي هي اجتناب الذنوب والمعاصي سبب المحن والفتن لأن في ذلك حفظا وسلامة للعبد من زيغ الشيطان الذي له الحيل والمكائد لصرف العبد عن ذكر ربه وصرفه عن شكر هذه النعمة الجليلة.

 ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن على ظهر كل مركوب شيطانا يضل، حتى نكون على حذر من زيغه وضلاله، وما سبب هذه الحوادث إلا نتيجة لصدنا عن سبيل الله تعالى وإتباعنا سبل الشيطان، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)} النور، ومن جملة هذه الخطوات التي نهانا الباري سبحانه وتعالى على إتباعها:

الغناء: إن من أكبر الأسباب التي تنجر عنها حوادث المرور وضع أشرطة الغناء في هذه المراكب، والأخطر هو وضعها بصوت مرتفع لتُسمع البر والفاجر، فالفاجر تزيده غيا والبر تفسد عنه ذكر ربه وهذا من المنكر العظيم.

إخوة الإيمان: لقد أثبتت الدراسات أن الغناء يؤثر على العقل كتأثير الخمر، فالسائق الذي ينشغل بأصوات الغناء معرض في كل آونة للحوادث باعتبار أن الغناء يجعل عقل المستمع خفيفا، وهذا ما يجعل السائق خفيف اليدين والرجلين، مما يسبب إفلات المقود من بين يديه، أو الزيادة في السرعة خاصة في المواطن الخطيرة كالمنعرجات وغيرها، ولاحظنا في العديد من المرات في حافلات النقل الجماعي الرقص والغناء والتصفيق والمكاء، وربما تحرك السائق بيديه أو رجليه بقصد أو بغير قصد فحاد بالركاب عن الطريق، ويا للخيبة لما يتحول العرس إلى مأثم وينقلب المسافر من دار إلى دار، وهو سوء المنقلب الذي تعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم. الوصية: ليعلم أصحاب هذه المراكب – برا أو جوا أو بحرا -، أن هذه الأنفس التي يحملونها في مراكبهم هي أمانة في أعناقهم وسوف يحاسبهم الله تعالى عليها،وليتذكروا قول الباري سبحانه وتعالى: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} المائدة 32.

 فكل سائق لا يلتزم بما أمره الله تعالى من الأمور التي تحفظ للناس حياتهم ولا ينتهي عما من شأنه يكون سببا في هلاك الناس فهو واقع في هذا الوعيد الشديد، فعليه أن يلتزم بالقوانين الشرعية و الوضعية التي تنص على حفظ الأنفس والابتعاد عما من شأنه أن يكون سببا في الهلاك ومن جملتها وضع أشرطة الغناء، فقد نهى الله تعالى عن الاستماع للغناء في قوله جل وعلا: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6)} لقمان، أخرج الحاكم في صحيحه والبيهقي في الشعب عن ابن أبي الصهباء قال: سألت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية قال: هو والله الغناء. وبين العلماء بأنه من أكبر الأسباب التي تعرض الركاب للهلاك، فعلى السائق أن يمنع هذا المنكر وله أن يذكر بأذكار السفر ويدعو إلى التزام الهدوء والسكينة، حتى تسير بسم الله مجراها ومرساها، فيسلم بحول الله تعالى الركاب من الحوادث. وصية للركاب: إذا كان السائق من المغلوبين على أمرهم أو ممن لا يخافون الله تعالى فعليكم أن تنصحوه وتأخذوا على يديه وتمنعوا مثل هذه التصرفات المخلة بالأخلاق لأن الأمر يهم الجميع، والإنسان في هذه الحالة مطالب بتغيير المنكر ما استطاع لذلك سبيلا حتى يسلم ويكون في حفظ الله تعالى، ويدعو الله تعالى للجميع بالحفظ فدعوة المسافر مستجابة بحول الله تعالى. كذلك مما نوصي به في هذه الحالة أن لا ينسى المسافر حين يهم بالسفر أن يصحب معه أشرطة القرآن الكريم لتكون بديل الغناء، إن استدعى الأمر وضع أشرطة كأن يطلب الركاب وضع أشرطة تنسيهم وعثاء السفر فخير صاحب في السفر هو الله تعالى وذلك باستعمال أشرطة تذكر به جل وعلا، وليس هناك بديلا كالقرآن الكريم الذي لا يرده أحد، ولا أنصح حتى بأشرطة الأناشيد الإسلامية أو الدروس والخطب حتى لا يقع الخلاف والجدال.

 

أثر الذكر على السائق:

قال الله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) } الرعد، فالذكر يهدأ النفس ويسكن القلب مما يجعل السائق في كامل وعيه متأنيا مستحضرا لخشية الله تعالى مراقبا لله جل وعلا عالما بخطر هذه المسئولية التي تحملها من حفظ لهذه الأنفس التي يحملها في سيارته، ذاكرا لعواقب الذين نسوا الله تعالى فكانوا سببا في هلاك الأبرياء ممن ذهبوا ضحية السخرية والإستهزاء بآيات الله تعالى.

أيها السائق الكريم: إن الغناء مجلبة للشيطان وبالتالي فهو مجلبة للشرور والأحزان، فالغناء يحبب لك التسارع مع الآخرين ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العجلة، حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْأَنَاةُ مِنْ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ ) رواه الترمذي، فكما أن الغناء مجلبة للشيطان فهو كذلك يطرد ملائكة الرحمان، الذين يحفظون العباد من أمر الله تعالى وبالتالي فالعبد معرض للعذاب في كل لحظة، فاتق الله تعالى واحفظ الله يحفظك الله، وليكن صاحبك ذكر الرحمان لا ذكر الشيطان، والله يحذرك فيقول جل وعلا:”( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) } الزخرف، وقال جل ذكره: {وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً (38)} النساء، وهي عاقبة السوء التي يؤول إليها كثير ممن ينسون ذكر الله تعالى. فاحفظوا وصية الله لكم { ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ }.