إمامة ناسي الحدث

إمامة ناسي الحدث 

الحمد لله حق الحمد، والشكر لله على كل نعمة أنعم بها علينا في قديم أو حديث، أو عامة أو خاصة، أو سر أو علانية، والصلاة والسلام على من علمنا الحكمة، وأرشدنا إلى صراط الله المستقيم، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد:

أخي الكريم: اعلم أن أهم ما يعتني به المسلم من الأمور هو الصلاة، تلك الشعيرة العظمى التي فرضت في السماء، وهي عمود الدين، وأول ما يُحاسَبُ عليه العبد من أعماله يوم القيامة، وكما تَعلم أن للصلاة أحكاماً وشُرُوطاً، ومستحباتٍ، ونواقضَ ومكروهاتٍ، ولما كنا في زاوية الإمام والمأموم من هذا الموقع كان الأجدر بنا وبك أن نتعرف على أمر مهم يتعلق بصلاة الجماعة ألا وهو حكم إمامة ناسي الحدث، هل تصح صلاة المأمومين بعده إذا صلى بهم وهو محدث – أي: عليه جنابة، أو انتقض وضوؤه بأي ناقض – أم أن صلاتهم غير صحيحة، وعليهم الإعادة؟

الصحيح من قولي أهل العلم أنَّ صلاة المأمومين خلف مَن نسي حدثه، ثم ذكره بعد الصلاة؛ صحيحة، ولا إعادة عليهم، وعليه الإعادة وحده، وهو قول الإمام مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه، وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن جبير، والأوزاعي.

والأدلة على ذلك:

حديث أبي هريرة  عنه أن رسول الله  قال: يصلون لكم فإن أصابوا فلكم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم1 فدل الحديث على أن الإمام إذا أخطأ في صلاته فعليه خطؤه، وللمأمومين صلاتهم، والذي نسي حدثه يكون خطؤه عليه فيعيد صلاته، وليس على المأمومين إعادة؛ لأن صلاتهم صحيحة.

ومن الأدلة: (أن عمر بن الخطاب  صلى بالناس وهو جنب فأعاد، ولم يأمرهم أن يُعيدوا)2.

ومنها: عن عثمان بن عفان (أنه صلى بالناس صلاة الفجر، فلما أصبح وارتفع النهار؛ فإذا هو بأثر الجنابة فقال: كَبُرت والله، كَبُرت والله، فأعاد الصلاة، ولم يأمرهم أن يعيدوا) 3

ومن الأدلة أيضاً: ما قاله علي بن أبي طالب : “إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة؛ آمره أن يغتسل ويعيد، ولا آمرهم أن يعيدوا”4

ومنها: أن ابن عمر صلى بالناس الصبح، ثم ذكر أنه صلى بغير ضوء،فأعاد، ولم يُعيدوا.5

فهذه الأدلة تدلُّ على أنَّ صلاة المأمومين خلف من نسي حدثه ثم ذكره بعد الصلاة صحيحة، ولا إعادة عليهم، وأنَّ الإمامَ يُعيد صلاته.

وقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه،وحماد بن أبي سليمان إلى أن صلاة المأمومين خلف ناسي الحدث غير صحيحة، وتجب عليهم الإعادة، واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يأتي:

عن سعيد بن المسيب – رحمه الله – قال: صلى رسولُ اللهِ  بأصحابه مرة وهو جُنُبٌ فأعادَ بهم.6

وعن عاصم بن ضمرة عن علي  أنه صلى بالقوم وهو جنب، فأعاد، ثم أمرهم فأعادوا.7

فهذه أدلتهم، وقد أعلها علماء الحديث كالدارقطني والنووي فانظر ذلك في الحاشية.

وإذا ثبت ضعف ما استدلَّ به أصحاب القول الثاني؛ ترجَّحَ القولُ الأولُ وهو صحة صلاة المأمومين خلف الإمام الذي نسي حدثه، وأنه لا يجب عليهم إعادة تلك الصلاة، وأن على الإمام الإعادة وحده.

ربنا علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واغفر لنا ذنوبنا إنك أنت الغفور الرحيم.

والحمد لله رب العالمين.


1– رواه البخاري (694) وأحمد (8449) وعنده زيادة (فإن أصابوا فلكم ولهم) ولم ترد عند البخاري (ولهم).

2– رواه الدارقطني والبيهقي في سننهما، وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/181-182): وحسبك بحديث عمر في ذلك.. إلى أن قال: وهذا في جماعتهم من غير نكير. وقال المجد في المنتقى (ص230): وصح عن عمر أنه… فذكر أثر عمر.

3– رواه الدارقطني والبيهقي في السنن. وقال المجد بعد أن ذكر أنه قد صح عن عمر صلاته بالناس وهو جنب ولم يأمرهم أن يعيدوا.. وكذلك عثمان. (المنتقى 2/45).

4– رواه ابن أبي شيبة (2/45).

5– رواه ابن أبي شيبة والدارقطني.

6– رواه عبد الرزاق في مسنده (2/350) وابن أبي شيبة(2/44) والبيهقي في السنن والدارقطني في السنن. وقال الدارقطني بعد أن ذكره: هذا مرسل، وأبو جابر البياضي –أحد الرواة- متروك الحديث. وضعفه النووي في المجموع وذكر أقوال أهل العلم في جابر البياضي. انظر المجموع (4/141).

7– رواه الدارقطني في سننه (1/364) وقال: عمرو بن خالد هو أبو خالد الواسطي، وهو متروك الحديث، رماه أحمد بن حنبل بالكذب.