آداب الإمامة

آداب الإمــامة

 

آداب الإمــامة

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. أما بعد:

الإمامة منصب رفيع من مناصب الدين، وإذا أطلقت الإمامة فهي تنصرف إلى أحد معنيين:

الأول: الإمامة العظمى في الدين وهي قيادة الناس، والحكم فيهم بشرع الله -تعالى-، ويطلق عليها: القيادة، والإمارة، وغيرها.

الثاني: الإمامة الناس في صلاتهم. وهو المراد هنا، وسنعرض في هذه بعضاً من الآداب التي ينبغي لإمام الناس في الصلاة أن يتحلى بها، لينال شرف القيام بهذا العمل العظيم، وهذه الآداب منها ما هو واجب، ومنها المستحب، ومنها ما هو من باب الأولى، وكملة (الآداب) تشمل ذلك كله.

فمن تلك الآداب:

1.  أن يكون الإمام حسن السلوك، مستقيماً على السنة، سليم المعتقد غير واقع في بدعة، فإن البدعة في الدين ضلالة، ومن وقع فيها وقع في الضلال، ولا ينبغي أن يؤم الناس ضال، أو فاسق متساهل بالمعاصي، إذ الإمامة فيها معنى القدوة، ولا قدوة في مبتدع أو فاسق فاسد الاعتقاد.

2.  أن يكون فقيهاً بأحكام الصلاة وأحكام الإمامة. كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة..)1 الحديث، على تفسير من فسر هذا الحديث بأن المقصود بالأقرأ هو الأفقه، كما هو في مذهب الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-.2 ولأن الجاهل بأحكام الصلاة والإمامة قد يأتي بأمور منكرة أثناء الصلاة، فلا يحسن التصرف عندها، لاسيما عند السهو والخطأ أو نحو ذلك.

3.  أن لا يؤم الناس وفيهم من هو خير منه، إلا أن يكون إماماً راتباً. فإن كان إماماً راتباً فهو الأولى بالإمامة إذا توفرت فيه شروط الإمامة، إلا أن يحضر ولي أمر المسلمين، فهو أولى بالإمامة من الراتب، ما لم يأذن له. والإمام الراتب أحق بالإمامة من غيره، ولو كان من وراءه أعلم منه وأفقه، فإن حضر قوم في مسجد من ولا إمام راتب استحب لهم تقديم الأكبر سناً والأكثر علماً وفهماً وإتقاناً للقرآن.

4.  أن لا يؤم قوماً هم له كارهون. لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين إثم ذلك، كما ثبت من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت و زوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون).3

وينبغي أن يعلم سبب كراهيتهم له، فإن كان سبب الكراهية له فسقه وظلمه وسوء خلقه، أو أنه واقع في مخالفة دينية، فتكره إمامته، بل قد تحرم حينئذ، أما إن كان الإمام ديِّناً مستقيماً على الشرع حسن الأخلاق، وكرهه أغلب المأمومين بسبب استقامته وتمسكه بالسنة، وعدم موافقته لهم على منكراتهم أو بدعهم فإن تلك الكراهة غير معتبرة، والله أعلم.

5.  أن يكون حافظاً لكتاب الله، كثير القراءة له، عالماً بأحكامه، عاملاً به. ومرتبة حفظ القرآن مرتبة كمال في الإمامة؛ إذ أن الإمام الراتب تمر به صلوات مختلفة مثل صلاة الكسوف والخسوف، وصلاة التراويح، ونحوها من الصلوات التي تستدعي اليقظة وسرعة المبادرة للتلاوة من حفظه، مع ما في حفظ القرآن من اختيار الآيات التي تناسب الأحداث والعوارض التي تصادف الناس في حياتهم، فيتلو على الناس آيات الله -تعالى- بإتقان وحسن تلاوة، ولا يكون معتاد القراءة لآيات معينة يرددها في كل صلاة أو في كل يوم كونه لا يحفظ غيرها! فإن ذلك يبعث على السآمة والملل ونفور الناس من الصلاة خلفه، ومن هذا تظهر الحكمة النبوية من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله..) على من فسر ذلك بكثرة القراءة وحسنها، وإجادة النطق، وإتقان التجويد، والعيش الدائم مع كتاب الله -تعالى-.

6.  أن يكون مقصوده من الإمامة القيام بأمر من أمور الدين، لا ابتغاء عرض من الدنيا؛ لأن الإخلاص لله في كل عمل من واجبات الدين، ولا يقبل الله من أحد عملاً حتى يكون خالصاً صواباً، كما قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (سورة الكهف: 110) ، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (سورة الزمر: 11) ، وقال -عز وجل-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (سورة البينة: 5). وغير ذلك من الآيات التي تأمر بإخلاص العبادة لله -عز وجل-. وكلما كان الإمام قريباً من الله مخلصاً في إمامته وتلاوته أثَّر في الناس أيما تأثير.

7.  أن يكون حسن الصوت بالتلاوة، فإن ذلك أدعى لتأثير القرآن في قلوب المأمومين، ولهذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن).4 والتغني كما فسره غير واحد من أهل العلم هو تحسين الصوت بالقرآن.5

وقد كان عمر -رضي الله عنه- يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم.6

8.   أن يستجيب لطلب الناس من حيث التيسير والتقصير في الصلاة، أو أي طلب لا يخالف الشرع، فقد جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً، فقال إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا معاذ أفتان أنت -ثلاثاً- اقرأ {والشمس وضحاها}. و {سبح اسم ربك الأعلى} ونحوها).7

فهذه بعض الآداب التي ينبغي على الإمام مراعاتها حتى يقوم بهذا العمل الجليل حق القيام.

نسأل الله أن يوفق أئمة المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وأن يصلح قلوبهم، ويجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


 


1– رواه مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-.

2– بداية المجتهد لابن رشد (1/224).

3– رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3057).

4– رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

5– انظر مثلاً: (شرح صحيح مسلم للنووي 2/393).

6– فتح الباري لابن حجر العسقلاني (9/92).

7– رواه البخاري ومسلم.