هل يؤمن الإمام ؟

هل يُؤَمِّن الإمام

هل يُؤَمِّن الإمام؟

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:

قد ثبت فضل التأمين بعد قراءة الإمام سورة الفاتحة بما جاء من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه). وقال ابن شهاب: وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (آمين).1

والمسألة هنا هي: هل يؤمِّنُ الإمام مع المأمومين إذا ختم الفاتحة؟ لننقل كلام ابن رشد من كتابه (بداية المجتهد)2، فقد بين الكلام في هذه المسألة:

ذهب الإمام مالك في رواية ابن القاسم عنه والمصريين أنه لا يؤمن..

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يؤمن كالمأموم سواء، وهي رواية المدنيين عن مالك.

وسبب اختلافهم أن في ذلك حديثين متعارضي الظاهر:

أحدهما:

حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيح، أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمَّن الإمامُ فأمنوا).3

والحديث الثاني:

ما خرجه مالك عن أبي هريرة -أيضاً- أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: (إذا قال الإمام }غير المغضوب عليهم ولا الضالين {فقولوا: آمين).4

فأما الحديث الأول فهو نص في تأمين الإمام. وأما الحديث الثاني فيستدل منه على أن الإمام لا يؤمن، وذلك أنه لو كان يؤمن لما أمر المأموم بالتأمين عند الفراغ من أم الكتاب قبل أن يؤمن الإمام؛ لأن الإمام كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)5 إلا أن يخص هذا من أقوال الإمام: أعني أن يكون للمأموم أن يؤمن معه أو قبله فلا يكون فيه دليل على حكم الإمام في التأمين، ويكون إنما تضمن حكم المأموم فقط، لكن الذي يظهر أن مالكاً ذهب مذهب الترجيح؛ للحديث الذي رواه؛ لكون السامع هو المؤمِّن لا الداعي..

وذهب الجمهور لترجيح الحديث الأول؛ لكونه نصاً؛ ولأنه ليس فيه شيء من حكم الإمام؛ وإنما الخلاف بينه وبين الحديث الآخر في موضع تأمين المأموم فقط، لا في هل يؤمن الإمام أو لا يؤمن، فتأمل هذا.

ويمكن أيضاً أن يتأول الحديث الأول بأن يقال: إن معنى قوله: (فإذا أمن فأمنوا) أي إذا بلغ موضع التأمين، وقد قيل: إن التأمين هو الدعاء، وهذا عدول عن الظاهر لشيء غير مفهوم من الحديث إلا بقياس: أعني أن يفهم من قوله: (فإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأمنوا) أنه لا يؤمن الإمام). اهـ.

وقال ابن قدامة -رحمه الله-:

(وجملته أن التأمين عند فراغ الفاتحة سنة للإمام والمأموم، وروي ذلك عن ابن عمر وابن الزبير، وبه قال الثوري، وعطاء، والشافعي، ويحيى بن يحيى، وإسحاق، وأبو خيثمة، و ابن أبي شيبة، وسليمان بن داود، وأصحاب الرأي.

وقال أصحاب مالك لا يحسن التأمين للإمام؛ لما روي مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن سول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قال الإمام { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } فقولوا آمين، فانه من وافق قوله قول الملائكة غفر له) وهذا دليل على أنه لا يقولها.

ولنا: ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له) متفق عليه، وروى وائل بن حجر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قال: (ولا الضالين) قال: (آمين) ورفع بها صوته) رواه أبو داود ورواه الترمذي6 وقال: (ومد بها صوته) وقال: هو حديث حسن، وقد قال بلال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبقني بآمين).7

وحديثهم لا حجة لهم فيه، وإنما قصد به تعريفهم موضع تأمينهم، وهو عقيب قول الإمام: (ولا الضالين)؛ لأنه موضع تأمين الإمام؛ ليكون تأمين الإمام والمأمومين في وقت واحد موافقاً لتأمين الملائكة، وقد جاء هذا مصرحاً به كما قلنا، وهو ما روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، والإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)8 وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في اللفظ الآخر: (إذا أمن الإمام..) يعني إذا شرع في التأمين).9

فتبين بهذا أن المسألة فيها قولان لأهل العلم عليهم رحمة الله ومغفرته، فمنهم من قال بأن الإمام يؤمن والمأمومين يؤمنون بتأمينه، والقائل بذلك هم جماهير العلماء، وقال المالكية: لا يؤمن الإمام، بل التأمين خاص بالمأمومين..

والراجح هو قول الجمهور؛ للأدلة الدالة على مشروعية تأمين الإمام والتي تقدم ذكرها..

نسأل الله العلي الكبير أن يعيننا على شكره وذكره وحسن عبادته..

والحمد لله رب العالمين..


1– رواه البخاري ومسلم.

2– 1/228.

3– سبق تخريجه.

4– رواه البخاري ومسلم.

5– رواه البخاري ومسلم.

6– وهو حديث صحيح، صححه الألباني في صحيح أبي داود (824).

7– رواه أبو داود وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (198).

8– رواه بهذا اللفظ النسائي وعبد الرزاق الصنعاني.

9– المغني في فقه الإمام أحمد (1/564).