التخفيف على الناس

 

 

 

تخفيف الإمام على الناس في الصلاة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمن حكمة الله – جل وعلا – أن شرع للناس صلاة الجماعة؛ ليزداد أجر المصلين، ويتآلفوا فيما بينهم، ويشعروا بالوحدة والقوة، كما جاء في الحديث عن ابن عمر – رضي الله عنهما – : عن النبي   قال: (صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين).[1]

ولكن الناس باختلافهم ومشاغلهم المتنوعة، قد تثقل عليهم الجماعة في المسجد، والتأخر حتى تنقضي، فيميلون نحو أدائها فرادى، أو في غير المسجد، وحينها يذهب المقصود الشرعي من الجماعة، غير أن هذا الدين مكتمل البناء، لا يبني أمراً نقيض آخر، ولا يقول قولاً معارضاً لقول – حاشاه – .

ومن واجب الأمة – جماعات وأفراداً، أئمة ومأمومين – التيسير والتبشير، والبعد عن التنفير مهما كان الأمر، لا سيما في شعائر الله، ومقاصد الشريعة، فهي أحق بأن تهوَّن للناس، فيقَرَّبون إليها، فلا يحسن التنفير عن العبادة في أي حال – ولو كان على سبيل الاجتهاد في العبادة -.

فعن أبي مسعود الأنصاري   قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة؛ مما يطول بنا فلان. فما رأيت النبي   في موعظة أشد غضبًا من يومئذ، فقال: (أيها الناس إنكم منفِّرون! فمن صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة).[2]

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري   قال: أقبل رجل بناضحين (الناضح: هو البعير الذي يستقى عليه)، وقد جنح الليل، فوافق معاذًا يصلي، فترك ناضحه، وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء، فانطلق الرجل وبلغه أن معاذًا نال منه، فأتى النبي   فشكا إليه معاذًا، فقال النبي  : (يا معاذ أفتَّان أنت؟).أو (فاتن) ثلاث مرات، (فلولاصليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى؛ فإنه يصلي وراءك الكبير،والضعيف، وذو الحاجة).[3]

وعن أبي هريرة   : أن رسول الله   قال: (إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإنه منهم الضعيف، والسقيم، والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)[4].إلى غير ذلك من الأحاديث.

هكذا راعى النبي   أحوال أمته، ولم يشق عليهم، فيسَّر لهم الأمر، وأمر الأئمة أن ييسروا على الناس، (فمن صلى بالناس فليخفف)،لئلا ينفروا عن الدين.

وبهذا تُعلم لنا أمور:

1- حرص النبي   على إرشاد أمته، ومعالجة الخطأ بطريقة الإقناع كأن يذكر سبب أمره وحكمته، (فإنه منهم الضعيف، والسقيم، والكبير).ولا بد من مراعاة أحوالهم جميعاً، والرفق بهم فسبحان القائل: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(128) سورة التوبة.

2- نهى النبي  عن التثقيل على الأمة، ومنه: المشقة تجلب التيسير.

3- مراعاة أحوال الضعفاء وذوي الحاجة، وكبار السن، وأهل الضرورات بقراءة قصار السور.

4- من صلى منفرداً فله أن يطول ما شاء.

وهكذا كل مسألة فيها مشقة وعسر لا بد من التيسير فيها، والتخفيف؛ لأن ذلك من مقاصد الشريعة الحنيفية السمحة.

إذاً فالأصل في إمامة الناس التخفيف لجذب قلوبهم وإعانتهم على الصلاة، بدلاً من تنفيرهم عن المساجد.. لكن هناك حالات نادرة يسن فيها إطالة القراءة في الصلاة قليلاً، كقراءة سورة السجدة في الركعة الأولى في صلاة فجر يوم الجمعة، وسورة الإنسان في الركعة الثانية منها، وكذا الإطالة في الصلوات النافلة كصلاة التراويح، إذا كان المأمومون يرغبون وينشطون ذلك، وإلا فالأصل التخفيف على الناس، فإذا كان النبي   يأمر معاذاً وغيره بالتخفيف على الناس وهم في عهد الرسالة والوحي ومشاهدة الآيات الحية الصادقة على قوة الدين وصدق الرسالة فكيف بنا في زمن ضعف الهمة في أمور الدين، وقلة الخشوع أو عدمه! فينبغي للأئمة مراعاة أحوال الناس كافة، فإنما فُرض في الصلاة من القرآن سورة الفاتحة وما عداها فهو سنة، ومن المشكلة أن تنقر الفروض والأركان في الصلاة كالركوع والقيام منه والسجود والقيام منه، ويشق على الناس في أمر السنة التي أمر النبي   بالتخفيف فيها.

ولا يعني هذا أيضاً أن يستغل الناس فرصة التخفيف لينقروا الصلاة نقر الغراب الدم، أو يصلوا دائماً بالسور القصيرة جداً، بل مثل ما أرشد النبي معاذاً من القراءة بسور معلومة مثل الأعلى والشمس وضحاها، وما شاكلها من السور والمقاطع من القرآن الكريم.

نسأل الله أن يوفق الناس لما فيه الخير.

والحمد لله رب العالمين.

 


 


[1] رواه البخاري (620)، ومسلم (650). واللفظ له.

[2] صحيح البخاري:(1/46 برقم:90،670،672 ،5759 ، 6740).

[3] رواه البخاري: (5/2264برقم: 5755 )ومسلم:(1/339برقم:465).

[4] رواه البخاري: (1/248برقم:471) ومسلم: (1/341برقم:467)