إمامة الرجل في سلطانه

إمامة الرجل في سلطانه

 

إمامة الرجل في سلطانه

 

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله محمد وآله وصحبه، أما بعـد:

المقصود بإمامة الرجل في سلطانه: أن الرجل أحق أن يؤم المصلين فيما هو تحت سلطته وملكه، ومثاله: لو كان لإنسان بيتٌ أو دارٌ كبير أو مزرعة أو غير ذلك، فزاره ناس وحضر وقت الصلاة فصلوا، فلا يجوز أن يتقدم منهم أحد ليصلي بهم إلا صاحب السلطان، أي صاحب الدار أو المزرعـة أو البيت… إلا أن يأذن لمن يريد.. حتى لو كان من يصلي بهم أفضل منه قراءة وتلاوة وعلماً وسناً وهجرة.. وذلك أن في غير هذه الحالة يجب تقديم الأقرأ فالأقرأ، ثم الأسن فالأسن، فإن كانوا في السن سواء فالأقدم إسلاماً وهجرة، كما هو المنصوص عليه في كتب الفقه.. فإن وجد ولي أمر المسلمين أو نائبـه فهو الأحق بالإمامة.

وعلى هذا اتفقت مذاهب العلماء ولم يعلم مخالف –والله أعلم- وهو المنصوص عليه في كتب الفقه، ولهم في ذلك أدلة..

ولكن نذكر بعض كلام علماء المذاهب الإسلامية:

قال ابن نجيم -رحمه الله-:

(أما إذا كان في بيت إنسان فإنه يكره أن يؤم ويؤذن وصاحب البيت أولى بالإمامة إلا أن يكون معه سلطان أو قاض فهو أولى؛ لأن ولايتهما عامة1).

وقال الخرشي -فقيه مالكي-:

(ثم إن لم يكن سلطان ولا نائبه فرب المنزل المجتمع فيه، ولو كان غيره أفقه منه وأفضل2)

والمقصود أنه إذا حضر السلطان إلى البيت مع الزائرين أو نائبه كالقاضي ونحوه فإنه الأحق بالإمـامة، فإن لم يوجد السلطان أو الأمير فصاحب المنزل هو المقدم في الإمـامة، ولو كان من  في المنزل أفضل منه أو أفقه أو أقرأ.

وقال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي:

(فإن اجتمع هؤلاء مع صاحب البيت فصاحب البيت أولى منهم3)

وقال مصطفى الرحيباني الحنبلي:

(وصاحب البيت وإمام مسجد ولو عبداً أحق من غيره، فتحرم إمامة غيرهما بلا إذنهم4)

وقد اشترط الرحيباني شرطاً وهو أن يكون صاحب البيت أهلاً للإمامة5.

إذن أتضح من خلال نقل كلام أئمة المذاهب أن صاحب البيت والسلطان أولى بالإمـامـة من غيره إلا إذا وجد أمير أمر الأمة أو نائبه فإنه الأولى بإمامة القوم؛ وذلك لأن إمامة السلطان أعم من إمامة الرجل لمنزله أو ملكه..

الأدلة:  

لا شك أن اتفاق المذاهب على هذا يرجع إلى مستند وقفوا عليه وأخذوا منه هذا الحكم الشرعي، ومن الأدلة على ذلك:

الدليل الأول: عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِلْماً، ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد على تكْرِمته إلا بإذنه)  رواه مسلم.وقوله: سلماً: أي إسلاماً، وفي رواية: سِنّاً. وقوله: تكرمته، أي مكان جلوسه في بيته.

ووجه الاستدلال: أن الرسول نهى أن يؤم الرجلُ الرجلَ في سلطانه، وبيته وملكه هو سلطانه الذي يملكه، فلا يجوز التقدم عليه، وهو الأولى بالإمـامة إلا أن يأذن لغيره..

 

الدليل الثاني: عن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من زار قوماً فلا يؤمهم، ولْيؤمهم رجل منهم)6.

وقد ورد الحديث بقصته وسبب وروده، فعن بديل قال: حدثني أبو عطية -مولىً منا- قال : كان مالك بن الحويرث يأتينا إلى مصلانا هذا، فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدم فصَلِّهْ، فقال لنا: قدموا رجلاً منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لِمَ لا أصلي بكم: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من زار قوماً فلا يؤمهم ولْيؤمهم رجل منهم). قال الترمذي بعد ذكر الحديث: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، قالوا : صاحب المنزل أحق بالإمامة من الزائر، وقال بعض أهل العلم: إذا أذن له فلا بأس أن يصلي به، وقال إسحاق بحديث مالك بن الحويرث، وشدد في أن لا يصلي أحد بصاحب المنزل وإن أذن له صاحب المنزل! قال: وكذلك في المسجد لا يصلي بهم في المسجد إذا زارهم يقول: ليصل بهم رجل منهم. انتهى كلام الترمذي.

 

الدليل الثالث: قال أبو سعيد مولى أبي أسيـد: تزوجت وأنا عبد، فدعوت نفراً من أصحاب رسول الله فأجابوني، فكان فيهم أبو ذرٍّ وابن مسعود وحذيفة –رضي الله عنهم أجمعين-، فحضرت الصلاة وهم في بيتي، فتقدم أبو ذرٍّ ليصلي بهم، فقالوا له: وراءك ! فالتفت إلى ابن مسعود فقال: أكذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: نعم، فقدموني وأنا عبد، فصليت بهم) رواه صالح بن الإمام أحمد -رحمهما الله- في مسائله، ورواه عبد الرزاق والبيهقي.

ووجه الاستدلال واضح وهو: تأخر أبا ذر وتقديم أبي سعيد المولى صاحب الدار للصلاة بهم؛ مع أنهم من أعظم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-.

الحكمة في تقديم صاحب المنزل بالإمامة على غيره:

علَّل العلماء ذلك التقديم بتعليلين:

1.  أن في التقدم عليه احتقار له وازدراء به بين عشيرته وأقاربه، وذلك لا يليق بحسن الخلق؛ لأنه صاحب البيت، فهو فيه كالسلطان على قومه..

2.  أنه أدرى بقبلته.. فالزائر قد لا يعرف اتجاه القبلة، ويضيع الوقت، ويحصل الإحراج بتحديد القبلة، وقد لا يعلمها كما يعلمها صاحب المنزل.. وسواء عرفت الحكمة أم لا فهذا حكم رباني وجب التسليم له والإذعان إليه.. فإن ظهرت لنا منه بعض الحكم فإنما تزيد إيماننا إيماناً ويقيننا يقيناً.

وخلاصة ما تقدم أنه إذا زار الرجل قوماً سواء كانوا غريبين عنه أو أصحابه ورفقاءه أو غيرهم، وحضرت الصلاة فليصل بهم صاحب البيت، ولا يتقدم أحد حتى يأذن له صاحب المنزل؛ إتباعاً للرسول -صلى الله عليه وسلم-،  واحتراماً لصاحب المنزل، وتأدباً معه؛ ولأنه أعلم بالمكان والقبلة.

تنبيه: ويشترط كون صاحب المنزل قادراً على أداء أركان الصلاة، ومن ذلك: قراءة الفاتحة قراءة صحيحة؛ حيث لا يكون لَحَّاناً يحيل المعنى عن حقيقته، وكذا ألا يكون مبتدعاً بدعـة مكفرة؛ لأن صلاته لا تصح، فضلاً عن إمامته كما تقدم. والله الموفق للصواب..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،


 


1 – البحر الرائق 1/369.

2 – الخرشي على مختصر خليل 2/43,

3 – المهذب 1/106.

4 – الكافي 1/186.

5 – وهذه الشروط هي: أن يكون مميزاً فلا تصح إمامة الطفل غير المميز. وأن يقدر على قراءة الفاتحة بحيث لا  يكون أبكم ولا يلحن لحنا يحيل المعنى عن حقيقته، ولا يكون كافراً فصلاة الكافر باطلة فضلاً عن إمامته. وأن لا يكون مشهوراً بالفسق والمجون.

6 – رواه أبو داود النسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح  وهو حديث صحيح صححه الألباني.