موقف المأموم

 

 

 

موقف المأموم مع الإمام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه…أما بعد:

في هذا اللقاء المتجدد نقف مع حكم من أحكام الإمام والمأموم، وهو مكان وقوف المأموم الواحد:

إذا صلى إمام ولم يكن معه إلا واحد فإنه يصلي بجانبه عن يمينه، وهذا مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد..بل قد نقل الإجماع غير واحد من العلماء على أنه يقف بجانبه عن يمينه؛ كما سيأتي ذكر ذلك.

ولا بأس أن نذكر بعض نصوص أهل المذاهب في ذلك: قال الإمام السرخسي الحنفي في كتابه (المبسوط):

( فإن كان مع الإمام واحد وقف عن يمين الإمام)1. وقال أبو بكر الكاساني-وهو حنفي أيضاً- في كتابه (بدائع الصنائع):

( وإن كان مع الإمام رجل واحد وصبي يعقل الصلاة يقف عن يمين الإمام)2.

وجاء في مدونة الإمام مالك بن أنس التي نقلها عنه عبد السلام التنوخي الملقب بـ(سحنون): (وقال مالك: وإن كان رجلين قام أحدهما عن يمين الإمام)3. وقال الإمام الشيرازي الشافعي في كتابه (المهذب): ( السنة أن يقف الرجل الواحد عن يمين الإمام)4. وقال النووي- وهو شافعي-: ( وأما الواحد فيقف عن يمين الإمام عند العلماء كافة، ونقل جماعة الإجماع فيه، ونقل القاضي عياض -رحمه الله- عن ابن المسيب أنه يقف عن يساره، وأظنه لا يصح عنه، وإن صح فلعله لم يبلغه حديث ابن عباس، وكيف كان، فهم اليوم مجمعون على أنه يقف عن يمينه)5.

وقال بن قدامة الحنبلي: ( وإذا كان المأموم واحداً ذكراً فالسنة أن يقف عن يمين الإمام رجلاً كان أو غلاماً)6.

فاتضح مما ذكرناه أن أهل المذاهب الأربعة يرون أن المأموم الذكر الواحد يقف عن يمين الإمام.. وقد بنوا ذلك على أدلة عديدة: كحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: نمت عند ميمونة -رضي الله عنها- والنبي   عندها تلك الليلة، فتوضأ  ثم قام يصلي، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج فصلى ولم يتوضأ) متفق عليه.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قام رسول الله ليصلي فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فأخذ بأيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه) رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك أن رسول الله   صلى به وبأمه أو خالته، قال:فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا) رواه مسلم.

والسنة هنا أن يقوم المأموم عن يمين الإمام بحذائه لا يتقدم عليه ولا يتأخر؛ لما أحمد وغيره عن ابن عباس قال أتيت النبي ، من آخر الليل فصليت خلفه فأخذ بيدي فجعلني حذاءه ، فلما أقبل رسول الله   على صلاته خَنِسْتُ، فصلى رسول الله  ، فلما انصرف قال: ما شأني أجعلك حذائي فتخنس. قال الألباني في صحيحته, ( 2/158): وفي الحديث من الفقه أن الرجل إذا اقتدى بالإمام وقف حذاءه عن يمينه لا يتقدم عنه ولا يتأخر وهو مذهب الحنابلة..

ما الحكم فيما لو صلى الواحد عن يسار الإمام، هل تبطل صلاته أم لا؟

اختلف أهل الفقه في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن المأموم إذا كان وحده فصلى عن يسار الإمام لا تصح صلاته، وهو قول الإمام أحمد وعليه جماهير أصحابه، واستدلوا على قولهم هذا بما تقدم من حديثي ابن عباس وجابر بأن النبي  أدارهما إلى يمينه، فدل على أن اليسار غير موقف للمأموم الواحد، فإذا وقف فيه بطلت صلاته.

القول الثاني: أن صلاته صحيحة مع الكراهة، وهو قول الأحناف والمالكية والإمام الشافعي، وأصحابه وهو رواية عن أحمد اختارها أبو محمد التميمي، وقال ابن مفلح الحنبلي في كتابه الفروع: ( وهو أظهر) وقال المرداوي الحنبلي في كتابه الإنصاف: ( وهو الصواب). واختارها صاحب الشرح الكبير وقال: هي القياس، واختارها عبد الرحمن السعدي، في ( المختارات الجلية).

والراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، أن صلاته صحيحة لكن ذلك خلاف السنة فهو مكروه، وكيف يمكن القول ببطلانها ولم يرد دليل يدل على البطلان؟. ولأن رسول الله لم يبطل صلاة جابر ولا ابن عباس ولم يأمرهما بإعادة تكبيرة الإحرام، أو بإعادة الصلاة.

إذن وضح الحكم في هذا، وعرفنا أقوال العلماء وأدلتهم، وأن وقوف المنفرد مع الإمام يكون عن يمينه، مع كراهة الوقوف عن يساره، ولكن إذا صلى عن يسار الإمام فإن صلاته تصح. والأولى اتباع سنة رسول الله في ذلك. نسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يعيننا على العمل بما نقول.. والحمد لله رب العالمين..

 


1– المبسوط ( 1/43 ).

2– بدائع الصنائع ( 1 / 158 ).

3– مدونة مالك ( 1/86).

4– المهذب ( 1/106 ).

5– شرح صحيح مسلم ( 5/16 ).

6– المغني ( 2 / 214 ).