تأخير الصبيان

تأخير الصبي المميز عن الصف المقد

 

تأخير الصبي المميز عن الصف المقدم

 

الحمد لله رب العالمين,والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه..

أمَّا بعدُ:

من مسائل الإمامة والائتمام مسألة تقدم الصبيان في الصُّفوف الأولى،وهذا ما يوجد في كثير من المساجد،أن يأتي الصبي الذي عمره أربع سنوات أو خمس أو ست أو أقل أو أكثر فيدخل في الصف الأول أو الصفوف المتقدمة.. ويأتي بعض الناس فيخرجه بحجة أن الصبيان لا يجوز أن يصفوا مع الرجال، وإنما مكانهم في الصفوف المتأخرة.. فهل يحق للرجل أن يؤخر الصبي المميز عن الصف المتقدم؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه لا يُؤخَّر.. وبه قال الشافعية، وبه قطع المجد ابن تيمية، ومال إليه ابن مفلح في الفروع.

وأدلتهم على ذلك: عن عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبيه: (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً) فكنت أؤمهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين) رواه البخاري.

فإذا جازت إمامة الصبي فمن باب أولى جواز جلوسه في الصف المقدَّم وأنه لا يؤخَّر.

وعن عمر-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال:(لا يُقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه)رواه البخاري ومسلم.

ففي الحديث النهي عن إقامة الرجل الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه، والصبي المميز في حكم البالغ فلا يقام من مجلسه.

القول الثاني: أنه يؤخَّر، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد, وصرح به القاضي وابن قدامة1 وابن رجب2 وصوبه المرداوي.

ومن أدلتهم على ذلك: عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، لِيَلِني منكم أولوا الأحلام والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافاً. رواه مسلم.

فقالوا: قد دل الحديث على أن يلي الإمام أولو الأحلام والنُّهى، والصبيان ليسوا منهم، فيؤخَّرون.

وعن أبي مالك الأشعري أنه قال: ألا أحدثكم بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فأقام الصلاة,وصف الرجال,وصف خلفهم الغلمان،ثم صلى بهم،فذكر صلاته،ثم قال: (هكذا صلاة أمتي).(3)

قالوا: فدل الحديث على أن الصبيان يصفون خلف الرجال,فيؤخرون عن الصف المقدم.

ومن أدلتهم ما ورد عن قيس بن عبادة -رضي الله عنه- قال: بينا أنا في المسجد في الصف المقدم فجبذني رجل من خلفي جبذة فنحاني وقام مقامي فو الله ما عقلت صلاتي، فلما انصرف فإذا هو أبي بن كعب -رضي الله عنه-! فقال: يا فتى لا يسؤك، إن هذا عهد من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلينا أن نليه).4

قالوا: فهذا أبي بن كعب أخَّر قيساً من الصف المقدم، وقد كان قيس غلاماً كما في رواية علي بن سعيد النسوي عن الإمام أحمد.5

والذي يظهر أن القول الصحيح هو القول الأول، أنهم لا يؤخَّرون؛ قال في الشرح الممتع:  أما إذا جاء الصبي مبكراً وتقد م وصار في الصف الأول فإن القول الراجح الذي اختاره بعض أهل العلم ومنهم جد شيخ الإسلام ابن تيمية وهو مجد الدين عبد السلام أنه لا يقام المفضول من مكانه…"

إلى أن قال: ولن  فيه مفسدة تنفر هؤلاء الصبيان بالنسبة للمسجد لا سيما إذا كانوا مراهقين أي: إذا كان للواحد منهم ثلاث عشرة سنة، أو أربع عشرة سنة ثم نقيمه من مكانه فسيكون ذلك صعباً عليه لأنه فرح أن كان في الصف الأول، وكذلك من مفاسده أن الصبي إذا أخرجه شخص بعينه فإنه لا يزال يذكره بسوء وكلما تذكره بسوء حقد عليه لأن الصغير عادة لا ينسى ما فُعل به…"6

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيرد عليهم بالآتي:

عن الحديث الأول والثاني في تقديم أولي الأحلام والنهى بأن تقديم أولي الأحلام والنهى لا يدل على فساد خلافه.7

وعن الدليل الثالث: بأن الحديث ضعيفٌ.

وعن الدليل الرابع وهو فعل أبي بن كعب، بأن ذلك رأي صحابي، وهو فعل من الصحابة مع التابعين8.

وبهذا نكون قد أتينا على بيان هذه المسألة، ومعرفة قولي العلماء فيها، وما هو الراجح منهما، والله أعلم..

والحمد لله رب العالمين.


 


1– انظر المغني (2/218).

2– القواعد لابن رجب ص193.

3– رواه أبو داود وهو حديث ضعيف انظر ضعيف أبي داود للألباني (132).

4– رواه أحمد والنسائي وابن خزيمة وصححه، وصححه غير واحد.

5– كما في بدائع الفوائد (3/81).

6 – الشرح الممتع للعلامة العثيمين: 4/279-280.

7– انظر حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/341).

8– انظر: الفروع لابن مفلح (1/406).