الصلاة عند سارية المسجد

الصلاة عند سارية المسجد

 

الصلاة عند سارية المسجد

 

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعد:

فالحديث في هذه السطور سيكون حول سواري المسجد وما يتعلق بها من أحكام فنقول:

السواري: جميع سارية والسارية هي الأسطوانة, وسواري المسجد هي الأعمدة التي تكون بالمسجد، وهي تختلف من حيث الحجم والشكل,ويرى بعض المعاصرين أنه مع التقدم الهندسي للعمارة، ينبغي ألا توضع في المساجد, لكن هذا غير ممكن في جميع المساجد, مع ما للسواري في المسجد من فوائد، منها: أن ابتدارها والصلاة إليها سنة، فهي تستخدم كسترة للمصلي, ومن فوائدها: أن بعض الناس يتكئ عليها, ومن فوائدها -أيضاً- أنه يمكن أن تستغل بوضع الأسلاك والمواسير المتعلقة بآلات التدفئة والتبريد في جوفها، كما يمكن وضع أرفف عليها تستخدم لوضع المصاحف والكتب النافعة ونحوها.

وبالنسبة للمصلي عند السارية لا يخلو من حالات هي:-

الحالة الأولى: أن يصلي إلى السارية، فتصح صلاته فرضاً، وتستحب الصلاة إليها نفلاً ويشهد لهذا:

1- ما ورد عن عمر -رضي الله عنه- قال: “الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنْ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا”. وَرَأَى عُمَرُ رَجُلًا يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ صَلِّ إِلَيْهَا”1.

2- عن يزيد بن أبي عبيد قال: “كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ! قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا”2.

الشاهد قوله: “عند الأسطوانة” ووجه الدلالة: أنه اقتدى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة إلى السارية نفلاً؛ مما دل على أنه مسنون.

3- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: “كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ”3.

الشاهد قوله: “يبتدرون السواري”, ووجه الدلالة: أن الصحابي الجليل بين أن السنة ماضية على صلاة النافلة إلى سارية من سواري المسجد.

الحالة الثانية: أن يصلي بين الساريتين مع الجماعة لشدة الزحام وضيق المكان، فيصح ذلك ولا كراهة فيه بحمد الله تعالى, وقد نص على ذلك الإمام مالك رحمه الله.

الحالة الثالثة: أن يصلي بين الساريتين مع جماعة في سعة من المسجد، ففي كراهة الصلاة في هذه الحالة قولان للعلماء:-

القول الأول: تكره الصلاة بين السواري, فقد روي هذا عن عمر وأنس وحذيفة -رضي الله عنهم- وعن إبراهيم النخعي, وبه قال أحمد بن حنبل, ورواه الهيثمي عن ابن مسعود رضي الله عنه.

القول الثاني: أنه لا بأس بالصلاة بين السواري, رواه ابن أبي شيبة عن الحسن ومحمد بن سيرين وإبراهيم التيمي, وبه قالت طائفة من العلماء.

الأدلـة:

1- عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: “كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا “4

 2 – وقال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- لقوم صلوا بين السواري: “كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»5.

فهذه الآثار ونحوها تدل على كراهة جماعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- للصلاة بين السواري، ولم يعلم لهم مخالف، ولم يحكم أنس ببطلان صلاة من صلوا بين السواري؛ ولأن السواري تقطع الصفوف، ولأنها موضع النعال في الغالب، وقال الطبري أنه روي أنه يصلي بينها الجن المؤمنون6.

واستدل أصحاب القول الثاني: بقصة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في جوف الكعبة بين السواري, فهذا يدل على أنه لا بأس بالصلاة بينها.

المناقشة:

من عرض الأدلة، يتبين قوة الرأي الأول, أما دخوله -صلى الله عليه وسلم- وصلاته بين السواري، وصلاة الصحابة كذلك بين السواري في جوف الكعبة، فهي صلاة نافلة، وهي لبيان الجواز؛ ولأن سواري الكعبة لم تقطع الصفوف في تلك الحالة، ولو قطعتها لم يكره لضيق المكان؛ ولأن الصفوف لا ينبغي أن يقطعها شيء.

أما وقد تقدمت الهندسة المعمارية، فإنه ينبغي الإقلال من هذه الأعمدة، ولا داعي لتضخيم هذه الأعمدة وتكبير حجمها بلا حاجة داعية لذلك.

والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين7.

 


 


1 رواه البخاري معلقاً (2/309) وابن أبي شيبة متصلاً -8- (2/265).

 2رواه البخاري -472- (2/310) ومسلم -788- (3/80).

3 صحيح البخاري -589- (ج 2 / ص 497) ومسلم -1383- (4/290).

4 رواه ابن ماجه -992- (3/277) وقال الألباني حسن صحيح, انظر صحيح ابن ماجة حديث رقم(1002).

5 رواه أبو داود -576 (2/316) والترمذي -212- (1/386) وصححه الألباني برقم (229) في سنن الترمذي.

6 فتح الباري لابن حجر – (2/254) بتصرف.

7 استفيد الموضوع من كتاب أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية لـ(إبراهيم بن صالح الخضيري) بتصرف.